نشرة الأقصى الإلكترونية

للبيت رب يحميه...للبيت شعب يفديه!

تاريخ النشر  17/02/2007

رشيد ثابت*

المسجد الأقصى المبارك 

 

لم يكن بوسع عبد المطلب فعل الكثير للدفع عن بيت الله الحرام!

وماذا كان يسع الرجل لصد أبرهة؛ وقد رأى قريشا تهاربت في رؤوس الجبال فرارا من الطاغية الذي غرته نفسه من نفسه؟ وماذا كان يستطيع جدنا لوقف زحف جيش أبرهة الجرار؛ وفيل أبرهة الباطش؟ وأي شيء تصنع فطرة كاد الشرك والتبديل أن يذهب بآخر ما رسب منها وما تبقى من تراث حنيفية إبراهيم عليه السلام؛ وأي شيء تصنع القلة العاجزة التي فقدت جذورها مع الإيمان والتوحيد في وجه موجة الكفر العارمة؟ حينها يستوي الكفر المشوب بالإيمان والكفر الذي ضللته الصلبان؛ ولا تبقى إلا القوة حكما بين الفريقين؛ ولا يبقى لعبد المطلب إلا أن يستدعي آخر ما في جعبته من أشواق روحية لم تعصف بها عاديات الجاهلية؛ ويلوذ بذي العرش المجيد؛ ويستنصر ربه آيسا من قريش ومدد قريش؛ فيقول:

يـا رب إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبـن صليبهـم ومحالهم أبدا محـالك

كان هذا في بقية عهد جاء عنه في الأثر الصحيح أن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب! من حيث كانت الأرض تضج بالكفر والشرك؛ والشيطان الرجيم يضحك بأحسن الناس طريقة - أهل الكتاب آنئذ - فيخلط نصرانيتهم بالتثليث؛ ويقرن يهوديتهم بما فيه غضب الله!

قد يقول قائل: وما حال المسجد الأقصى اليوم وقد تركته أمته وحيدا عن حال الكعبة عام الفيل ببعيد؛ وما حال المسجد الأقصى بمؤتمره الإسلامي غير المنعقد ولجنة الفشل والعجز المسماة لجنة القدس بأفضل مما كانت عليه مكة التي كانت تحصي أنفاسها بانتظار جحافل الغزو الحبشي...فهل هذه هي الحال فعلا؟ وهل تنتهي الحكاية عند هذا الحد؟

صحيح أن أكثر سواد الأمة من المجاميع الغثائية قد استقالت من مسؤوليتها نحو البيت والرسالة استقالة قريش من دفع الأذى عن الكعبة؛ وصحيح أن أكثر أهل الأرض من أمة "لا اله إلا الله" قد ركنوا في أمر سلامة الأقصى إلى مقادير الله؛ وأعرضوا عن المشاركة في الذود عن البيت بدمائهم وأموالهم؛ وصحيح أنهم أشاحوا بوجوههم بعيدا متمتمين بقولهم "للبيت رب يحميه" - ربما بغير يقين عبد المطلب وتجليات نور إيمانه اللحظي في ذلك الموقف! - وصحيح أن بعض خلف جلد الأجرب من هذه الأمة ارتضى أن يكون أبا رغال؛ وصار لأبي رغال اليوم جيوش من الجنود والأحراس والإعلاميين والكتاب؛ وصار له حكومات وزعامات تدرس للناس صباح مساء أن الخيانة سياسة؛ وأن التفريط حالة متقدمة في فهم العلاقات الدولية؛ وأن العهر السياسي درجة من الواقعية السياسية يعرفها من أوتي الحكمة في اتباع أمريكا؛ وفصل الخطاب في الاستخذاء للصهاينة!

كل هذا نعم صحيح! لكن إن كان الكفر يرمي الأقصى اليوم بأولمرت وجيشه وأفياله وتدميره وجبروته؛ فان في الطائفة المنصورة من أكناف بيت المقدس - الذين تحدث عنهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ وبشر أنهم فيها مقيمون؛ وعلى الحق ظاهرون - في هذه الطائفة الغناء والكفاية بإذن الله جل وعلا!

فالطائفة المنصورة من خير أمة أخرجت للناس لن تنتظر الطير الأبابيل؛ ولن ترضى قبل التوكل على الله بأقل من أن تعقل وتعتذر لنفسها أمام ربها جهدها؛ فتلبي نداء الشيخ رائد صلاح؛ ونداء الهيئة الإسلامية العليا؛ ونداء مفتي فلسطين! فهذه العصبة هي البقية الباقية من جيل من البشر أنعم الله عليه بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم؛ وهذه الثلة من الفرسان هم أشقاء من أنقذت رسالة التوحيد المصطفوية كرامتهم وإنسانيتهم؛ فبدلت شقاء عمر وشقوته جبروتا في سبيل الله؛ وردت حلم معاوية وذكاء عمرو سياسة شرعية في خدمة دين الله؛ وفجرت طاقات الإبداع كلها لنصرة المشروع الإسلامي على يد هذا الجيل المهاجري الأنصاري ومن تبعهم من المخلصين بإحسان!

من هنا كانت جمعة الأمس جمعة فلسطين العظيمة؛ وعيدا ثالثا للمؤمنين؛ كيف لا وقد نجح رائد صلاح الخليفة الروحي لصلاح الدين في حشد الأنصار والمدد عبر نشاط الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ وعبر نشاط مؤسسة الأقصى؛ ناهيك عن حشود المؤمنين الذين أموا أطراف القدس من ضفة المقاومة والبطولة والفداء والنضال!

ويوم الأمس كان يوما لرد الاعتبار لفئة عزيزة كريمة من أبناء شعبنا البطل هم عرب الثمانية والأربعين؛ بل عرب المائة في المائة إخلاصا ومروءة وإيمانا متقدا لظى كلظى الصحراء التي شقتها جيوش فتوح الشام! يوم الأمس كان يوما لتتويج الحركة الإسلامية في الداخل حارسا أمينا على المسجد الأقصى؛ لا كلقب فخري يأخذه ملك أو أمير يستحقه أو لا يستحقه؛ بل كاعتراف بأمر واقع وعلى الأرض مسطر بالتضحيات والتؤدة والتخطيط طويل المدى؛ والحواجب المنعقدة ضيقا وغضبا على جبين "آفي ديختر"!

وكما كان يوم الأمس يوم الجائزة للفدائيين المضحين؛ فقد كان يوم عار وتحقير على الصغار الذين لا يخرج سلاحهم إلا لكل نقيصة؛ ويختبؤون وسلاحهم لدى كل كريهة مثل أجبن المنافقين؛ حذر أن يتهموا بأنهم شرفاء! وكما يحدث دائما؛ اختبأ زعران الفلتان في رام الله من جنود وأحراس وجلاوزة للتخريب الأمني الرسمي الممنهج؛ فهم لا تخرج أسلحتهم إلا لقتل المصلين وخطف الأطفال وإطلاق النار على المدنيين العزل من أبناء شعبهم؛ فيما يذهب المضحون إلى بوابات القدس بصدور عارية ودون سلاح! لكن ماذا عسى هذا الخبال والسفال أن يصنع بصفحة الإيمان الناصعة؟ وأي شيء تنقص هذه الحثالة من قمم الفداء السامقة؛ وقد أطلق محمد صلى الله عليه وسلم عهده للطائفة المنصورة بأنه لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم؟!

الطائفة المنصورة في عيدها أثبتت أنها الساعية بذمة هذا الدين من حيث قعد الناس؛ وأنها القائمة بأمر الدين من حيث خذله الناس؛ وأنها عمود الإسلام وحصنه من حيث حوصر الدين من كل حدب وصوب! ولو أن مساجد القدس العمرية ودروبها الأيوبية وتكاياها المملوكية وأسوارها العثمانية تنطق لشهدت أن للبيت رب حافظ؛ وأن للأقصى شعب يحميه؛ وفي سبيل الله يفديه!

ولا والله لو كان عندك يا عبد المطلب في مكة بعض بعض هؤلاء؛ فلربما طبت نفسا ومضيت بهم لقتال أبرهة وجيشه؛ من قبل أن تقصفه الطير الأبابيل!

 

 * مشرف المحور السياسي - شبكة فلسطين للحوار

 

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام


للحصول على نشرة الأقصى الإلكترونية، يرجى التسجيل في القائمة البريدية للموقع:

alaqsa_newsletter-subscribe@yahoogroups.com  

عودة إلى صفحة النشرة الرئيسية