نشرة الأقصى الإلكترونية

في ساحات ومحيط المسجد الأقصى:خيــل وخيّــالة وبـارود


الشيخ كمال خطيب
تاريخ النشر 2007-02-16

ان كل من راقب تسلسل الأحداث في القدس الشريف عموماً وفي المسجد الأقصى المبارك على وجه الخصوص طوال الأسبوعين الماضيين ، فانه يدرك لا محالة أن هناك حماقة سياسية ترتكب ، وأن هناك انحطاطا أخلاقيا يمارس ، وأن هناك نزعة عنصرية دينية هي سيدة الموقف ، وأن هناك عمى بصيرة عند القادة "الإسرائيليين" يدفعهم إلى هذه الرعونة والمواقف الهوجاء والتصرف غير المسؤول .

ان بلطجة الاحتلال وعنجهيته ، وأن الأبواق الإعلامية النافذة ، وأن التلاعب بالألفاظ ، وأن اختلال موازين القوى محليا وإقليميا ، وأن حسن استغلال الظرف العربي القاتم وحالة الاقتتال الفلسطينية الأخيرة ، وأن كل هذه العناصر مجتمعة وغيرها لن تغير من حقيقة كون الحكومة "الإسرائيلية" وتحديداً مكتب رئيس الحكومة قد أعطى الضوء الأخضر لهدم الطريق التاريخي ، طريق باب المغاربة وإقامة جسر عملاق ينتهي عند الباب الذي يقع في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى المبارك وهو باب المغاربة ، بل ومن خلاله يتم الوصول إلى المسجد الشهير مسجد البراق ، الذي يقع داخل الجدار الغربي للمسجد الأقصى وهو المسجد الذي حط به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو على البراق ومعهما جبريل عليه السلام ليلة الإسراء والمعراج .
انهم وعبر ماكينة إعلامهم المكتوبة والمسموعة والمرئية ، وانهم عبر نفيرهم السياسي والدبلوماسي يصوّرون ما يقومون به في محاذاة الجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك بأنه مجرد أعمال ترميم وصيانة، وأنهم يريدون بناء جسر متين بدل جسر خشبي آيل للسقوط ويشكل خطراً على المصلين المسلمين الذين يدخلون للمسجد الأقصى من ذلك الباب ، وهكذا في مونولوج من الأكاذيب والتزييف للحقائق .
ولكن الحقيقة تصفعهم في وجوههم ، ولكن أعمال الحفر والتدمير والتجريف التي يقومون بها تؤكد على عظيم كذبهم ، وأن ما يقومون به انما هو هدم وإزالة بالكامل للطريق التاريخي ، طريق باب المغاربة ، والذي يوصل إلى باب المغاربة ، هذا الطريق الذي بني منذ عهد الفاتح صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بعد تطهيره للمسجد الأقصى من الصليبيين الأوروبيين الذي احتلوا القدس والأقصى مدة زادت على 91سنة ، أي من العام 1096حتى 1187 وحيث انه في ذلك الفتح تم تقديم المنبر الشهير هدية للمسجد الأقصى في يوم تحريره من الصليبيين ، هذا المنبر الذي احرقه اليهودي "الإسرائيلي" دينيس روهان يوم 21-8-1969 .
ان إزالة طريق باب المغاربة وتجريف التلة الترابية التي أقيمت عليها الطريق يعني إزالة وطمس تاريخ إسلامي بين خبايا تلك التلة يعود للعهد الأموي ، وليس ذلك فحسب ، وان أعمال الحفر والتجريف هذه ستكشف وتعري بارتفاع عشرين مترا من أساسات الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك ، وحال إزالة هذه التلة الترابية وتكشف وتعرية الجدار في تلك المنطقة ، فهذا يعني الوصول مباشرة إلى مسجد البراق المكان الذي حط به النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج ، هذا المسجد الذي يزعم اليهود انه أحد أبواب الهيكل الثاني واسمه "باب بركلي" وحيث منه كانوا يدخلون إلى الهيكل حسب فريتهم ، هذا يؤكد بشكل واضح ان النية ليست مجرد أعمال ترميم وتصليح وانما هو الوصول لذلك الموقع التاريخي الهام وتحويله إلى كنيس للنساء اليهوديات ، كما تؤكد ذلك معلوماتنا الموثوقة ، وأما الجسر الذين يخططون لبنائه والذي يزعمون أنه سيبنى لصالح المصلين المسلمين ، هذا الجسر الذي سيقوم على ثمانية أعمدة ضخمة قطر قاعدة كل عمود هو 5
X5 وهذا يعني انه يكون غاية في الضخامة مما يعني أنه ليس معداً لعبور الناس فقط وانما وبلا شك سيستخدم لتنفيذ مؤامرات خطيرة داخل المسجد ، ولعلها شاحنات ومعدات ثقيلة بهدف تنفيذ بناء معبدهم في المكان ، أما الزعم بأن بناء هذا الجسر هو لصالح المصلين المسلمين فإن هذه الكذبة تفضحها حقيقة أن هذا الطريق وأن باب المغاربة قد صودرت مفاتيحه منذ العام 1967، وأن باب المغاربة لا يستخدم الا للشرطة وقوات الأمن التي تقتحم وتدنس المسجد الأقصى إضافة إلى أنه طريق دخول المستوطنين اليهود الذين يدخلون صباح كل يوم بحماية الشرطة والمخابرات إلى ساحات المسجد الأقصى بينما يمنع المسلمون من استخدام هذا الباب نهائيا .
انهم لم يصغوا لصوت المنطق يقول لهم ان أعمال الحفر والتدمير هذه ستقود إلى عواقب وخيمة ، وانهم لم يصغوا لصوت التاريخ يقول لهم ان تجربة المساس بالأقصى في مرات كثيرة وبالذات يوم دخله شارون ودنسه يوم28-9-2000 يجب ان تدفعهم إلى عدم ارتكاب هذه الحماقة ، وأن صوت العلم يقول لهم ان كل ذرة من ذرات تراب وحجارة هذا المكان تقول لهم بأنها عربية إسلامية وانه لم يكن في هذا الموقع هيكل ولا يحزنون .
ولكن الذي دفعهم لهذا التصرف الأرعن والأحمق في هذا التوقيت بالذات هي توصية رجال المؤسسة الأمنية ( الشاباك) الذين أشاروا عليهم بأن هذه هي فرصة وأحسن توقيت لتنفيذ الهدم على اعتبار ان البداية كانت في غمرة حالة الاقتتال الفلسطيني والتي انشغل الفلسطينيون بأنفسهم بل وأشغلوا كل العرب وكل المسلمين بهم ، وظن بذلك أصحاب الاقتراح بأنها الفرصة الذهبية وهذا ما كان فعلا.
ولكن الذي أفقدهم صوابهم أن من فضحوا مؤامراتهم هذه وكشفوا أكاذيبهم كانوا هم مسؤولي الحركة الإسلامية والذين يعتزون أنهم ومنذ أطلقوا صيحتهم الأولى في العام 1996 ( الأقصى في خطر) ، فإن كل يوم يمر يؤكد على صدق ما ذهبوا إليه وحذروا منه ، ولعل هذا هو السبب وراء حملة التحريض البشعة والمسعورة التي تقوم بها المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" ومعها السياسية والقضائية والتي بدأت باعتقال الشيخ رائد - رئيس الحركة الإسلامية ، ثم منعه من دخول المسجد الأقصى مدة عشرة أيام ومعه أربعة اخوة آخرين ، ووصلوا إلى قرار القائد العام للشرطة بالتحقيق مع الشيخ رائد بتهمة الدعوة إلى التمرد وإثارة الشغب وبين هذا وذاك استمرار الاعتقالات بحق المعتصمين من أبناء شعبنا في الداخل عند باب المغاربة في ظل حملة التصريحات الدموية التي أطلقها ضد الحركة الإسلامية كل من رئيس الحكومة أولمرت ووزير الأمن الداخلي آڤي ديختر ووزير البنى التحتية بنيامين بن العيزر والوزير للشؤون الاستراتيجية افيغدور ليبرمان وغيرهم .
رغم بشاعة قرارات الأجهزة الأمنية والسياسية والتي تمثلت بمنع دخول اهلنا من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى القدس والمسجد الأقصى المبارك ، الا انهم تمادوا إلى الحد الذي منعوا فيه من هم دون الخامسة والأربعين من الرجال من أهل القدس وأهل الداخل الفلسطيني من دخول المسجد ، وهذا ما كان يوم الجمعة الأخير 9-2-2006 وليس هذا فحسب بل انهم قد خططوا لإيجاد مبررات لزيادة التضييق ، فكان افتعال الأزمة والأحداث بعد صلاة الجمعة والتي تبين من الشهود الذين رأوا المستعربين من قوات الأمن يبادرون لرمي بضعة حجارة باتجاه مئات رجال الشرطة الذين اعتلوا جدران المسجد ومحيطه ، وحسب الخطة وتوزيع الأدوار ، فكانت هذه الإشارة والسبب الكافي لاقتحام 3500 من رجال الأمن ومن كافة اذرع الأمن "الإسرائيلية" للمسجد الأقصى ، بينما المصلون ما يزالون داخل المسجد بل أنهم ما زالوا في صلاة الفريضة بدعوى أن بعضهم كان يرمي رجال الشرطة بالحجارة والكراسي !!
ان من رأى ويرى قنابل الصوت وقنابل الغاز والرصاص المطاطي ومن يرى قاذفات الحجارة ، ومن يرى سيارات ضخ الماء الساخن والملون على المتظاهرين على أبواب المسجد وساحاته ، ومن رأى فرق الخيالة بكامل عدتهم فأنه لا يتخيل أبدا أنه في محيط مسجد مبارك وانما هو في ساحة حرب ليس إلا .
واضح أن حكومة "إسرائيل" وان بلدية القدس لم يصغوا ولم يلتفتوا للرسالة التي وجهها إليهم أحد كبار علماء الآثار واسمه مئير بن دوڤ الذي ضمّنها توقيعات تسعة عشر من كبار علماء الآثار يحذرون فيها من مغبة القيام بهذه العملية التدميرية ، ولكن ولأنهم أرادوا اغتنام الفرصة الذهبية وظروف الاقتتال الفلسطيني وكسباً للوقت في ظل استعداد "إسرائيل" لاحتفالات الذكرى الأربعين لاحتلال القدس والمسجد الأقصى التي تصادف هذه السنة 2007 وللاحتفالات في الذكرى الستين لإقامة دولة "إسرائيل" والتي ستصادف العام المقبل 2008وحيث تسعى الحكومة لتوسعة ما تسمى ساحة المبكى بعد إزالة هذه الطريق التاريخية بعد أن أزالوا من قبل كل حي المغاربة ومسحوه عن وجه الأرض والذي تبلغ مساحته 116دونما وعلى أنقاضه أقاموا ما تسمى ساحة المبكى .
ان حكومة اولمرت وشركائه من حزب العمل قد ظنوا ان بسماحهم لإدخال المنبر الجديد الذي قدمته الأردن للمسجد الأقصى والذي هو نسخة طبق الأصل عن المنبر الذي قدمه صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ( رغم اختلاف الظروف وطريقة تقديم هذه الهدية)، وان كذب المسؤولين "الإسرائيليين" وزعمهم بوجود تنسيق بينهم وبين دائرة الأوقاف ورضاها بأعمال الحفر ، كل ذلك محاولة مفضوحة لبث حالة من الشك والريبة بين الشارع الإسلامي والعربي والفلسطيني وبين مؤسسة الأوقاف التي نفت نفياً قاطعا وجود تنسيق بينها وبين السلطة "الإسرائيلية" حول أعمال الجرف والتدمير في طريق باب المغاربة .
يبدو أن الحكومة "الإسرائيلية" وكافة أذرعها غير مدركة للقيمة الحقيقية للمسجد الأقصى المبارك ، وانها غير واعية لحقيقة أن هذا المسجد انما هو قبلة المسلمين الأولى وأنه المسجد الذي إليه أسرى الله برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنه آية في كتاب القرآن الكريم { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير } ، ( الآية الأولى من سورة الإسراء ) .
ويبدو أنهم يشككون في أن المسجد الأقصى المبارك والقدس أرض مباركة لا يعمر فيها ظالم ، ويبدو أن سطوتهم وبطشهم ووقوف أمريكا من ورائهم قد أعمتهم عن حقيقة أن هذه الأرض قد مرّ بها وحكمها واحتلها من هم أشد منهم بطشا وقوة وجبروتاً ، الفرس والرومان والاسكندر المقدوني والصليبيون والتتار وغيرهم وكلهم رحلوا عنها وطوى التاريخ صفحتهم .
ويبدو أن حكومة "إسرائيل" ما تزال تراهن على أشباه الرجال من الحكام العرب والمسلمين الذين لا تتحرك فيهم نخوة ولا حمية حتى لنصرة المسجد الأقصى المبارك .
ولعلها الأسباب الكثيرة التي أوصلت حكام "إسرائيل" إلى حالة العمى والتخبط في تصرفاتهم ، ولكن كل هذه الأسباب مجتمعة وغيرها واكثر منها لن يغير من حقيقة ان المسجد الأقصى المبارك كان دائما الصخرة الصلبة التي تحطمت عليها كل مخططات ومكائد الكارهين والحاقدين.
أما علم هؤلاء أن فلسطين بالنسبة لنا وللأمة كلها هي العروس ، وان القدس هي التاج على رأس تلك العروس ، وأن المسجد الأقصى هو الدرة الأثمن في ذلك التاج ؟!
اننا وأمام غياب أي منطق في تصرفات المسؤولين "الإسرائيليين" الذين ولاعتدادهم بقوتهم ، فأن أخطاءهم أصبحت تكثر بموازاة كثرة فضائحهم الأخلاقية والمالية ، اننا ننصحهم ونذكرهم بأن احتلال المسجد الأقصى والإساءة إليه وتدنيسه كان دائما يمثل محطة وانعطافاً في العلاقة بين المسجد الأقصى وبين من يدنسونه ويسيئون إليه ، فيا حكام "إسرائيل" اننا نلفت انتباهكم بضرورة الانتباه إلى تجربة من سبقوكم ممن امتدت أيديهم بالإساءة للمسجد الأقصى المبارك .
وان سطوة وبطش جيش وشرطة أولمرت ووزير أمنه الداخلي لن تثنينا في أن نظل نؤكد ونعمل على تثبيت حقنا الأوحد كمسلمين في المسجد الأقصى المبارك ، واننا سنظل نكررها للمرة المليون في الماضي والحاضر والمستقبل ان المسجد الأقصى المبارك وما تحته وحتى الأرض السابعة وان المسجد الأقصى المبارك وما فوقه حتى السماء السابعة انما هو للمسلمين وحدهم وليس لأحدٍ حق في ذرة تراب واحدة فيه ، وأن طريق باب المغاربة كذلك هي وقف إسلامي خالص وانها اغتصبت تحت سطوة الاحتلال وبطشه ، فلا الخيل يا اولمرت ولا الخيالة ولا البارود ستغير من قناعتنا هذه ولكنها الأيام ستثبت لك انك كنت تراهن رهاناً خاسراً حينما ظننت انك بالقوة وبخيول شرطتك وخيالتها يمكن ان تسلب منا مسجدنا وأوقافنا ، فغداً يا اولمرت سينجلي الغبار ونرى أفرس تحتك أم حمار ؟!

رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي بالمغفرة .
{ ... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .

 

المصدر: موقع فلسطينيو 48


للحصول على نشرة الأقصى الإلكترونية، يرجى التسجيل في القائمة البريدية للموقع:

alaqsa_newsletter-subscribe@yahoogroups.com  

عودة إلى صفحة النشرة الرئيسية