نشرة الأقصى الإلكترونية

ذكريات احتلال القدس.. حكايات مجبولة بالصدمة والألم

تقرير للأقصى أونلاين

تاريخ النشر الأصلي:10/6/2007 

انتهاكات صهيونية للمسجد الأقصى المبارك يوم الاحتلال

ذكريات من الوجع والألم، تلك التي يستعيدها الشيخ ناجح بكيرات* وهو الرجل المفوّه وصاحب الأثر الكبير في حماية تراث المسجد الأقصى، مع حلول الذكرى الأربعين للاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس، وسط هواجس محورها الأساسي كيف تحولت المدينة المقدسة إلى "أندلس العرب المفقودة شيئا فشيئا".

وفيما يستعيد شريط من ذكرياته التي يغلبها الحسرة على وضع القدس ومقدساتها يتوقف الشيخ بكيرات، قليلا...بصمت، لاستعادة ذكريات اليوم الأول لاحتلال القدس، حيث بعض الكلمات ستخرج موجوعة، وأخرى ستحكي صدمة عالقة في ذاكرة طفولة هامت على وجهها في الجبال طلبا للأمن، حتى إذا عادت إلى حيّها.. طاردتها " عفاريت" على هيئة بشر.

ويروي الشيخ بكيرات من ذاكرة طفولة لم تتجاوز في حينها سنواتها العشر الأولى، وهو الذي سيصبح فيما بعد رئيس قسم المخطوطات في المسجد الأقصى، ليكون عن مقرب طرفاً في معركة البقاء والنضال في سبيل المدينة المقدسة.

في الخامس من حزيران عام 1967، مشهد متكرر آلاف المرات، حيث "أم يلفها الخوف تلملم أطفالها الأربعة، وزوج بعيد يعمل في العراق، تخرج هائمة على وجهها، ولا صوت يرافق الهاربين سوى البكاء تحت أزيز طائرات لا تتوقف".

ويقول بكيرات: "لم نكن نعلم من زرع فينا ثقافة الهرب هذه، أم أنها مجرد ردة فعل طبيعية إزاء عدو لم نسمع عنه سوى قصص القتل والدمار".

ويضيف "في ذلك اليوم هربنا من مكان سكننا في منطقة صور باهر شرقا باتجاه الحدود مع الأردن بعد أن وردت إلينا الأنباء بأن اليهود في الطريق لاحتلال الأقصى، وحتى اليوم أحاول أن أفهم مشاهد اعترضتنا في طريقنا بالقرب من منطقة التعامرة، ولا أستطيع، حيث عناصر من الجيش العربي تبدل لباسها العسكري بلباس النساء وتلتحق بركب الهاربين..كانت صدمتي الأولى، ولا زالت".

وخلال مشوار الهروب الذي استمر ساعات حسبها الناس أياما وهم بين باكٍ وصامت، بدأت طائرات الاحتلال باستكمال دور القوات التي دخلت المدينة من بواباتها المختلفة، حيث يستذكر الشيخ بكيرات: "شرع الطيران الإسرائيلي بمحاولة لقتل المدنيين الفارين خوفا، وراح يلقي علينا القنابل المحمومة في منطقة وادي الحصا، بين التعامرة وصور باهر، لكن عناية رب العالمين أنقذتنا حينها".

ويعلق الشيخ: "هذا يدلل على أن الاحتلال الإسرائيلي منذ القدم لا يفرق بين عسكري فلسطيني أو مدني، وكان همه سلب أرض بلا شعب، حتى لو قتلت هذا الشعب جميعا".

 

في المغاور مع الأمل

وبعد حين وصل الآلاف من سكان أحياء المدينة التي ظن سكانها أنها عصية عن السقوط بسبب تواجد "الحاميات العربية" فيها إلى المغاور، وفي مغارة واحدة أقمنا مع مجموعة فاقت 150 نفرا في منطقة البقعة قرب البحر الميت، بلا طعام إلا ما ندر، لمدة 3 أيام.." يروي الشيخ بكيرات.

وفي هذه الأيام، كانت قلوب الناس معلقة بمذياع صغير يروي حكايات "البطولة العربية التي اختفت فجأة، لتعلن دولة الاحتلال في اليوم الثالث سيطرتها على المدينة" حيث احتل الجيش الإسرائيلي القدس ودخل المسجد الأقصى مباشرة.

وبعد ذلك، قرر المواطنون العودة إلى قراهم ومدينتهم، يقول الشيخ: "لكن أكثر من النصف لم يعودوا... قرروا الهرب مشيا على الأقدام إلى الأردن بعدما تفشت بينهم روايات الذبح التي تمارسها العصابات الصهيونية".

"وعندما عدنا -يروي بكيرات- وجدنا الجيش الإسرائيلي قد اتخذ من المدارس ثكنات له، وظننت أنهم أنفسهم كانوا أيضا خائفين منا حيث طلبوا من السكان رفع الرايات البيضاء، وكنت بسذاجة طفل، أتساءل لماذا هذه الراية "عشان ما يطخونا" أجابني البعض..".

 

احتلال الأقصى..

وفي ذلك اليوم احتل الجيش الإسرائيلي المسجد الأقصى على وجه السرعة، بعدما انسحبت "الحامية الأردنية" منه، حيث دخل الضابط الإسرائيلي المعروف حينها "جورج مردخاي" من باب الأسباط، في حين اختار موشيه ديان، وزير جيش الاحتلال في حينها، الدخول من باب المغاربة عنوة.

وقال الشيخ بكيرات:" كسرت الأبواب وسمح لقوات الاحتلال باقتحام الأٌقصى ورفع العلم الإسرائيلي عليه لمدة 3 أيام، وراح الجنود يرقصون ويغنون أيام بلياليها، حتى احتج الشيخ طلعت المحتسب إمام المسجد الأقصى في حينها لدى السفير التركي في القدس، الذي طالبهم بإنزال العلم الإسرائيلي لأن الحرب بين العرب وإسرائيل، وليس بينهم وبين المسلمين".

ومنذ ذلك الحين اتفقت دولة الاحتلال على أن تتبع هذه المقدسات في ولايتها الدينية للسلطات الأردنية، في حين يبسط الاحتلال عليها سلطاته وسيادته العسكرية.

 

ثم بدأت المخططات

ويتابع الشيخ بكيرات راويته "كان أن عاد المواطنون إلى بيوتهم، وبدأت المدينة تضج بخطط مبيتة، حيث انتشر الجيش في كل بقعة منها، واستجلب اليهود المتدنيين لسكنها، و كان المشهد مرعبا حيث أول مرة نشوف يهودي بسوالفه ولباسه الأسود.. حتى ظننا أنهم عفاريت وليسوا بشرا".

وأضاف "اتبعت سلطات الاحتلال في العهد الأول لاحتلال القدس سياسة تعمية قلوب الناس، حيث فتحت أبواب العمل على مصارعها وحاول الاحتلال توفير جو من الرخاء الاقتصادي لإلهاء الناس، وفاقت قيمة العملة الإسرائيلية بسبب هذا الإقبال على العمل قيمة الدينار الأردني، وصار العامل الذي كان يتقاضى 5 دنانير قبل الحرب يجني خمسين دينارا وأكثر.. حتى أغرق المقدسيين بالذات، في ملهاة أبعدتهم عن ملاحظة سير المشروع الصهيوني المتسارع في القدس".

ماذا تغير في المدينة منذ ذلك الحين؟ سألنا الشيخ بكيرات، وقال: "كانت القدس قبل الاحتلال شيء..وصارت حدثا آخر، ففي حين كنا نتطلع للعودة إلى مناطق القدس التي احتلت عام 48 مثل المالحة ودير ياسين وأم طوبا،" وكنا نحلم بأن نلتقي بالأولاد هناك ونلعب معا".. إلا أننا سقطنا في المصير ذاته..".

وأضاف:" اليوم تسكن الغربان على بوابات المدينة، وقد هجر الناس، وبني اليهود العمارات الشاهقة، وسيجت القدس بجدار قسمها شطرين، وصارت مدينة للأمل بعدم ظنناها مكانا للأمل، وأظنها ستلاقي مصير الأندلس وسيرحل عنها آخر عربي كما حدث يوما، إن لم تعترينا صحوة باتساع الأمة".

 

معطيات مفزعة..

وفي مواجهة الذكريات أيضا، تقف على أعتاب القدس اليوم "حقائق مفزعة، نشرها الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق المقدسيين في القدس، حول تهجير سكان المدينة وانعكاسات سياسات الاحتلال الإسرائيلي منذ سقوط المدينة عام 67".

وحسب التقرير فقد استولى المحتلون الصهاينة على 84% من مساحة القدس عام 1948، ثم قاموا باستكمال احتلال الباقي في نكسة عام 67.

ويبلغ عدد السكان المقدسيين بسبب عمليات تفريغ المدينة من سكانها اليوم 254 ألف نسمة فقط "يحملون الهوية المقدسية الزرقاء"، في حين لا تجاوز عدد السكان العرب في البلدة القديمة منها 36 ألفا فقط، تعمل سلطات الاحتلال على تضييق سبل عيشهم وتجند كافة السبل لطردهم خارج حدود المدينة وإحلال اليهود مكانهم، وحرمانهم من كافة الحقوق وعلى رأسها العودة لمدينتهم.

وفي الوقت الذي أطلقت حكومة الاحتلال دعمها غير المحدود للمستوطنين الذي يسكنون المدينة، ووفرت لهم كافة الإمكانيات المادية التي سمحت بالسيطرة على أراضٍ واسعة وصادرت لحسابهم آلاف المنازل، لم يتبق للعرب الفلسطينيين سوى أقل من 14% من مساحة أراضي القدس.

وحسب التقرير فقد ارتفعت نسبة الفقر في أوساط المقدسيين إلى أكثر من 50% بعد أن استشرت البطالة وبلغت نسبة تفوق 40% ، وأصبح المقدسيون مجبرين على دفع ما نسبته 33% من الضرائب المفروضة على السكان رغم أنهم لا يتلقون سوى 5% من نسبة أنفاق الحكومة الإسرائيلية على سكان المدينة.

وتسبب جدار الفصل العنصري في التهام معظم أراضي القدس حيث يمتد بطول 181 كيلو متر على أراضي المحافظة، متسببا في تهجير الآلاف من السكان بسبب فصلهم عن خدماتهم الصحية والتعليمية وعن وظائفهم وعائلاتهم أيضا.

** الصور مأخوذة من معرض صور باقون .. للمزيد منها: ألبوم باقون   


للحصول على نشرة الأقصى الإلكترونية، يرجى التسجيل في القائمة البريدية للموقع:

alaqsa_newsletter-subscribe@yahoogroups.com  

عودة إلى صفحة النشرة الرئيسية