الاستيطان ومصادرة الأراضي ومردوداتهما على تهويد مدينة بيت المقدس (بحث)

المجموعة الأم: الاقصى فى خطر
نشر بتاريخ الأحد, 20 تشرين1/أكتوبر 2013 08:42
الزيارات: 4080

الاستيطان ومصادرة الأراضي

ومردوداتهما على تهويد مدينة بيت المقدس

 

 

 

بحث إعداد: آيه يوسف - إشراف: أ.د. إبراهيم أبو جابر

 

في مادة "الاحتلال الحالي لبيت المقدس منذ عام 1948م"

للفصل الثالث من العام الأول في دبلوم دراسات بيت المقدس على الإنترنت

من مجمع دراسات بيت المقدس، بانجلترا

بتاريخ 29-5-2013م

 

مقدمة

 

بنيت رواية الحركة الصهيونية على ادعاءات دينية وتاريخية ترتبط ببيت المقدس وترجع تاريخيا إلى عهد الفرنجة وذلك بهدف احتلال أرض فلسطين وإقامة وطن لشعب غريب اخر فيها. واليوم وبعد مرور 65 عاما على إقامة دولة "إسرائيل" على هذه الأرض، تغير المشهد العمراني والسكاني العربي الإسلامي في مدينة بيت المقدس كثيرا بفعل التغريب والتهويد. فرغم تخفيها وراء شعارات الحرية، حوّل الكيان الصهيوني الشعب العربي في أقدس جزء من فلسطين، "مدينة بيت المقدس"، إلى أقلية، وحوّلت الوجود العربي المتماسك فيها على مدى قرون إلى جيوب منعزلة تجاهد للبقاء.

 

لعب الاستيطان، الذي يعد لب الحركة الصهيونية الاستعمارية، دورا كبيرا في هذا التهويد والتغريب الجاري لبيت المقدس. وشملت أدواته مصادرة الأراضي لصالح بناء مستوطنات للمهاجرين الغرباء، وهدم المنازل الفلسطينية لطرد أهلها "الترحيل الصامت"، والحفريات لتشويه معالمها العربية والإسلامية، فضلا عن تغيير حدود المدينة بوتيرة غير مسبوقة.

 

نبحث هنا الاستيطان والمصادرة عبر مرحلتين، الأولى تبدأ باحتلال الشطر الغربي من القدس عام 1948م، والثانية تبدأ باحتلال الشطر الشرقي  من المدينة عام 1967م.


 

أولا: الاستيطان بين عامي 1948 – 1967م

 

انحصر الاستيطان بين عامي 1948و 1967م في القطاع الغربي من مدينة بيت المقدس والذي بلغت مساحته 16 كم مربعا تقريبا من إجمالي 19 كم مربعا هي مساحة القدس مع انتهاء الانتداب البريطاني عليها في عام 1948م، أي ما يعادل 84% من مساحة المدينة. ورغم كبر مساحته مقارنة بالقطاع الشرقي، خطا الاستيطان في هذا القطاع الغربي خطوات سريعة ومتلاحقة بفضل تدشينه بسلسلة محكمة من المجازر وجرائم التطهير العرقي بحق 60 ألف فلسطيني مثلوا حوالي نصف عدد سكانه وملكوا أكثر من 88% من أراضيه.

 

فالجزء الغربي من القدس هو الأقرب إلى الساحل الفلسطيني حيث رست سفن الهجرة اليهودية التي تسارعت منذ بدء الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917م بعد شهر من صدور وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وتركز الاستيطان اليهودي المدعوم من سلطات الاحتلال البريطاني على مدى 30 عاما على القدس، خاصة على هذا الجزء الجديد منها والذي حرصت هذه السلطات على ضمه إلى حدودها قبيل مغادرتها فلسطين.

 

وخلال الفترة بين صدور قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1947م، ومغادرة آخر جندي بريطاني للقدس في مايو/أيار 1948م، بدأت العصابات الصهيونية في تطبيق خطط عسكرية لتطهير المنطقة التي منحها قرار التقسيم للدولة اليهودية. ورغم أن القرار اعتبر القدس منطقة دولية، إلا أن هذه العصابات ركزت بعض اهم عملياتها العدوانية في المنطقة الممتدة بين يافا على الساحل الغربي لفلسطين، والقدس الواقعة في قلب فلسطين. من هذه العمليات مذبحة قرية دير ياسين يوم 9 أبريل/نيسان عام 1948م التي استشهد فيها أكثر من 250 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ قتلوا بوحشية في القرية الواقعة على بعد 5 كم غربي القدس.

 

وبنهاية الحرب التي اضطرت فيها العصابات الصهيونية للوقوف عند الأسوار الغربية للقدس القديمة، غدا غربي القدس شبه خالٍ من الوجود العربي إلا من أطلال القرى المهجرة. فقد تم تهجير جل العرب في هذا الجزء من المدينة، ولم يتبق منهم سوى بضعة آلاف في مقابل نحو 80 ألف صهيوني سجل وجودهم فيها بنهاية عام 1948م بعد أشهر من ضمها إلى الدولة الجديدة "إسرائيل" التي كان قد أعلن قيامها من تل أبيب قرب يافا يوم 15 مايو 1948م.

 

ومنذ ذلك الضم المخالف لقرار التقسيم، أصدرت سلطات الاحتلال الجديدة في غربي القدس سلسلة تشريعات لإضفاء صبغة قانونية على جرائمها التالية. من هذه القوانين، قانون "أملاك الغائبين"، وإعلان القدس عاصمة لـ "إسرائيل"، بدلا من تل أبيب، وذلك في  عام 1950م. فبموجبهما، صودرت جل الأملاك التي تركها الشهداء والمهجرون الفلسطينيون، الذين أصبحوا "لاجئين" في باقي أراضي فلسطين وفي الأراضي العربية المجاورة، بحجة كونهم "غائبين"، وتحولت هذه الأملاك إلى أملاك لحكومة الاحتلال (رغم أن اليهود لم يكونوا يملكون سوى 4% فقط من مجمل القدس مع بدء الاحتلال البريطاني عام 1917م). كما نقلت معظم مؤسسات الدولة الجديدة إلى غربي القدس.

 

ورغم تطبيق قانون "التعويض" على الأملاك الفلسطينية المصادرة، فإنه اقتصر على الحاضرين، دون "الغائبين"، كما اعتبر التعويض إجباريا وحرمهم حق استعادة ممتلكاتهم، أو حتى استئجارها.

 

 

التهويد في غربي القدس  (جدول1)

 

العام

1948م (قبل الحرب)

1948م (بعد الحرب)

1967م

1994م

المساحة

16 كم مربعا

16 كم مربعا

38 كم مربعا

52 كم مربعا

عدد اليهود

70 ألفا

80 ألفا

197 ألفا

411 ألفا (في كامل القدس)

عدد الفلسطينيين

60 ألفا

عدة آلاف

 

 

نسبة اليهود إلى الفلسطينيين في كامل القدس

 

 

74%

70%

 

 

ويوضح الجدول أعلاه الانخفاض الحاد في عدد السكان الفلسطينيين في غربي القدس بعد الحرب عام 1948م، والذي يعزى إلى المجازر التي شهدتها المدينة خلالها وهدفت إلى صبغها بالصبغة اليهودية. كما يوضح اطراد الارتفاع في عدد السكان اليهود مع استمرار توسيع مساحتها، بينما استمر الانخفاض في عدد السكان الفلسطينيين حتى اليوم.

 

وهكذا غدت "القدس الغربية" غريبة الملامح بعد محو الوجود العربي والإسلامي فيها قسرا لصالح المستوطنين اليهود، حيث طمست أحياء وقرى وأقيمت عليها المستوطنات، وصودرت المقابر الإسلامية، مثل مقبرة مأمن الله، التي لم يعد يتبقى منها إلا 10% من مساحتها ولا تزال تتعرض لمسلسل من التدنيس والتهويد.


 

 ثانيا: الاستيطان بعد عام 1967م

 

عملت سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" على إتمام التصفية الحضارية للجزء الشرقي من القدس والذي احتل يوم 7-6- 1967م، باعتماد خطط تهويد متدرجة وتطهير عرقي صامت وفق الخطوط العريضة التالية:

 

- تغيير التركيبة الداخلية والخارجية لشرقي القدس بزرع ثلاثة أطواق من المستوطنات لتطويق الأحياء الفلسطينية وتهجير سكانها ومنع تواصلها مع عمقها في الضفة الغربية،

 

- تجميد إمكانية الانتفاع لأكثر من 40% من أراضيها، وإتاحة الفرصة للسيطرة عليها من قبل اليهود، عن طريق مصادرتها للمصلحة العامة، أو لإقامة مساحات خضراء، أو لوجود أماكن أثرية، في حين يسمح للفلسطينيين بالبناء على 14% فقط من أراضي شرقي القدس، وهو ما يعادل 7.8% من مجمل مساحة القدس.

- تحديد نسبة الفلسطينيين في القدس كلها بما لا يتجاوز 22% (بموجب قانون تم سنه عام 1973م) (نقلا عن التفكجي ص 33).

 

 

 

الطوق الأول من المستوطنات:

 

يقع الطوق الأول من المستوطنات داخل البلدة القديمة المسورة في مدينة بيت المقدس والتي تتركز فيها المقدسات وأولها المسجد الأقصى المبارك. فبعد 4 أيام من الاحتلال، تم نسف حي المغاربة في جنوب البلدة والواقع أمام حائط البراق في السور الغربي للمسجد، وتسويته بالأرض بعد هدم 135 منزلاً ومسجدين به.

 

وفي حين حوّل حي المغاربة بالكامل فيما بعد إلى ساحة مبكى أمام حائط البراق، تمت مصادرة حي الشرف المجاور لحي المغاربة والذي كان يضم حارة لليهود، ليتم تحويله إلى "حي يهودي"، بعد تهجير سكانه العرب باتباع أساليب الترغيب والترهيب. فزادت رقعة الحي اليهودي بالبلدة من 5 دونمات إلى 130 دونماً (الدونم = ألف متر مربع) تمثل 20% من مساحة البلدة.

 

ومن أمثلة مستوطنات هذا الطوق أيضا مستوطنة رأس العامود بين حيي الطور وسلوان المجاورين للبلدة القديمة من جهتي الجنوب الشرقي والجنوب على التوالي.

 

 

الطوق الثاني من الاستيطان:

 

بعد شهر من احتلال شرقي مدينة بيت المقدس عام 1967م، شرع المحتلون في عزل سكان المدينة المقدسة عن المناطق العربية المجاورة من خلال ضم هذا الجزء من المدينة إلى سلطة بلدية الاحتلال في الجزء الغربي منها. ولإحكام العزل، أنشأ المحتلون طوقا من المستوطنات يحيط بضواحي البلدة القديمة التي تمتد ما بين المطار وقرية قلندية شمالا وقرى صور باهر وبيت صفافا جنوبا، وقرى العيسوية وعناتا والرام شرقا وحدود الهدنة غربا.

 

ففي عام 1968م، صودرت مساحات من أراضي الشيخ جراح ووادي الجوز في الشمال لتقام عليها مستوطنات رامات أشكول والتلة الفرنسية والجامعة العبرية. وخلال السبعينيات، أقيمت مستوطنة عطروت على حساب بيت حنينا وقلنديا في الشمال. ومع صدور قانون "أساسي" باعتبار القدس "الموحدة" عاصمة "إسرائيل" في 30-7-1980م، صادرت سلطات الاحتلال مساحات من أراضي قريتي بيت حنينا وشعفاط في الشمال لإقامة مستوطنتي بسغات زئيف وبسغات أومر.

 

 

الطوق الثالث من الاستيطان:

 

يهدف هذا الطوق لحصار مدينة "القدس الكبرى"، التي بدأ التخطيط لها عام 1993م بحيث تمتد فيما بين رام الله شمالا وبيت لحم جنوبا، بمساحة 600 كم مربع (تعادل10% من مساحة الضفة الغربية)، بهدف تقطيع أوصال الضفة الغربية، مع إتاحة وجود أحياء عربية داخل حدودها كأقلية قومية في وسط أغلبية يهودية، بنسبة 12% للسكان العرب مقابل 88% من اليهود (نقلا عن التفكجي ص 31). ومنذ بدأ التنفيذ ببناء غلاف القدس منذ عام 2002م، يتم سنويا إخراج نسبة كبيرة من الفلسطينيين مما يسمى بحدود القدس، ليصبحوا ضمن أراضي الضفة الغربية.

 

من أمثلة مستوطنات هذا الطوق: مستوطنة معاليه أدوميم المقامة على حساب أراضي العيزرية وأبو ديس في الشرق، وجيلو المقامة على حساب أراضي بيت جالا وشرفات في الجنوب، ومستوطنة جبل أبو غنيم المقامة إلى الجنوب من قرية صور باهر لمنع تواصلها مع بيت جالا وبيت لحم جنوبا.

 

فضلا عن هذه الأطواق الثلاثة، دشن أرئيل شارون، رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، في عام 1987م مرحلة إقامة بؤر استيطانية داخل البلدات والأحياء المقدسية، من خلال إقدامه على احتلال بيت يملكه عربي في حي الواد بالبلدة القديمة، وقد تبعتها خطوات مشابهة في القرى المحيطة بالبلدة من جانب منظمات يهودية استيطانية.

 

ويوضح الجدول أدناه حجم التغير المتسارع والمتضاعف الذي طرأ على حدود شرقي القدس (بعد توسيع مساحتها على حساب الأراضي المجاورة في الضفة الغربية منذ الاحتلال عام 1976م)، كما يوضح الجدول ترافق هذا التوسيع المتكرر مع تزايد عدد السكان اليهود في هذا الجزء من المدينة، وهو ما يعزى إلى توسع حركة الهجرة والاستيطان خاصة إلى مناطق الطوق الثالث من المستوطنات. وبالنسبة للسكان الفلسطينيين، فقد اتخذت أعدادهم طريقها للارتفاع المطرد رغم سياسات حكومات الاحتلال المتعاقبة الرامية إلى تقليلها، وهو ما يعزى إلى تحسن معدلات الزيادة الطبيعية لديهم.

 

 

التهويد في شرقي القدس (جدول 2)

العام

1967م (قبل الحرب)

1967م (بعد الحرب)

1994م

2008م

المساحة

6 كم مربعا

6 كم مربعا

70 كم مربعا

70 كم مربعا

عدد الفلسطينيين

80 ألفا (بينهم 35 ألفا في البلدة القديمة)

68 ألفا

166 ألفا

268 ألفا

عدد المستوطنين اليهود

 

 

152 ألفا

220 ألفا

نسبة الفلسطينيين إلى اليهود في كامل القدس

 

25%

29%

35%

 

 

وهكذا، تتعرض شرقي القدس، ولا تزال، لمعركة حامية الوطيس يديرها الاحتلال الصهيوني الاستيطاني العنصري سعيا إلى الوصول بالوجود العربي فيها إلى أدنى المعدلات مقابل الوجود اليهودي.

 

 

خارطة مدينة بيت المقدس بتقسيماتها المختلفة

 

(المصدر: المحاضرة 4 لـ د. إبراهيم إبو جابر في مادة الاحتلال الحالي لبيت المقدس ضمن العام الأول من دبلوم دراسات بيت المقدس 2012-2013م)

 

 

الخاتمة:

بعد أن كانت مدينة بيت المقدس مركز النشاط الفلسطيني، فرضت سلطات الاحتلال الحالي، بمجازرها الوحشية، وقوانينها الجائرة، وممارساتها الاستيطانية، رؤيتها الأحادية لها كمدينة يهودية، مما يضع الكثير من الصعوبات أمام مهمة الحفاظ عليها مدينة عربية بتاريخها وسكانها.


 

 

المراجع:

أبو جابر، إبراهيم. مستقبل القدس وسبل إنقاذها من التهويد، مركز الدراسات المعاصرة، أم الفحم، 1997م

التفكجي، خليل. الاستيطان في القدس (سياسة مبرمجة) - ورقة قدمت لمؤتمر القدس الدولي الثاني في غزة عام 2008م – نقلا عن كتاب مؤتمر القدس (المؤتمرات 1،2،3)، مؤسسة القدس الدولية، غزة