ومن أظلم ...؟؟

المجموعة الأم: من نحن
نشر بتاريخ الأحد, 13 تشرين1/أكتوبر 2013 08:11
الزيارات: 3830

الظلم – مضاد العدل- هو ما يسود عالمنا الذي نعيش فيه الآن. ولكنه درجات، ولذا، تكرر قول الله تعالى في كتابه العزيز: "ومن أظلم ممن ..." عدة مرات، فدل على أن هناك ظلما أبشع من ظلم، وجرما أقبح من جرم. ونحن هنا نركز على بيان أشده، بغرض التصدي له ومواجهته، فتسهل إزالة ما يتفرع عنه من مظالم، ويسود العدل عالم البشر، كما أراده له خالقه تعالى الذي أقامه على الحق والميزان.

 

لقد امتن الله تعالى على الإنسان بخلقه، فدل على أن الحياة نعمة عظيمة ومنة وفضل من الرب تعالى. ولما أوجدنا الله تعالى في هذا الكون، كرمنا بمنحنا الاختيار بين طريق الخير والشر، ولكنه أرسى دعائم القسط الذي تقوم عليه الحياة كما أرادها تعالى، ووضع ميزانا عادلا يحكم الحياة كلها، حياتنا وحياة الكون من حولنا، حتى تتحقق السعادة والحياة الطيبة وحتى تكتمل النعمة والفضل والمنة. فمتى سرنا على هذا الميزان، وجدنا التناغم مع الكون كله، ومتى حدنا عنه، وجدنا التصادم والشقاء والتعب والنصب في حياتنا؛ فأساس الحياة هو: القسط والعدل والميزان. أما الظلم، وهو وضع الشيء في غير موضعه، ومنه أخذ حق الغير، فهو يؤدي إلى عكس هذا كله، ويعني التصادم مع الكون ومع الفطرة التي جبل عليها الخلق. ولذا، نرى الجميع يأبون الظلم ويكرهونه، حتى لو لم يقع عليهم مباشرة، بل ينفر منه الظالم نفسه حتى يقع عليه.

 

وهذا الظلم أنواع، فمنه ظلم الإنسان لنفسه بمخالفته فطرته، وعدم اتباعه لمنهج الله الذي يحقق له التناسق والتناغم مع الحياة من حوله، ومنه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان حين يتجاوز فيعتدي على حق الغير، وينتهك حرماته، كحرمة النفس/ المال/ العرض. على أن أعظم المظالم، وأشدها على الإطلاق هو التعدي على الدين، ورفض الشرع الحكيم الذي سنّ الحرمات جميعا، والافتراء والكذب على الله تعالى، والتعدي على شعائر الإله الحقّ واضع الميزان والعدل والقسط في الأرض! ولذا، ورد قول الله تعالى "ومن أظلم ممن افترى على الله.. " مرات كثيرة في القرآن الكريم، وتأكد نفس المعنى بآيات أخرى اختلفت قليلا في ألفاظها وحملت نفس المعنى، بل إن هذا الوصف: الأظلم يكاد لا يتجه في القرآن إلا لمن افترى على الله تعالى بالشرك به، أو بتبديل شرعه والعبث بدينه.

 

وقد جاءت أول آية وردت فيها عبارة "ومن أظلم .."، بترتيب المصحف الشريف، وصفا لمن يعتدي على مساجد الله تعالى وبيوته في الأرض. قال تعالى في سورة البقرة: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم." فهذا أيضا نوع من الظلم الأشد يندرج تحت ظلم الافتراء على الله، لأنه يمثل تعديا على حرماته وشعائره تعالى. فالاعتداء على بيوت الله يماثل الاعتداء على رسل الله، ويماثل الاعتداء على كتب الله، إنه اعتداء يستهدف الله عز وجل الذي حد الحدود ووضع الشرع وحمى الحرمات. إنه استحلال لكل الحرمات، وتدنيس المقدس، واستباحة لكل الموبقات والجرائم، ومن هنا اعتبر أبشع ألوان الظلم على الإطلاق.

 

أما وقد وقع الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك، من بين كل المساجد في الأرض! هذا المسجد الذي هو ثاني مسجد وضع في الأرض، وأول قبلة للمسلمين، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، ومسرى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، المسجد الذي بارك الله حوله، وجعل ثواب من يدخله بنية الصلاة فيه أن يخرجه الله من ذنوبه كيوم ولدته أمه! فإن هذا الظلم لا أعظم منه؟ وهل هناك أعظم من الاعتداء على رمز الامتداد الإيماني بالله تعالى منذ آدم وحتى محمد عليهما الصلاة والسلام، وانتهاك رمز التوحيد، ورمز القداسة والطهر والبركة في الأرض؟ هل هناك ما هو ابشع من الاعتداء على المصلين فيه، وصدهم عنه، وإحراقه، والسعي في تخريبه وتدميره، ومنع ذكر اسم الله تعالى فيه؟

 

لعمري كلا، إن هذه الانتهاكات، شأنها شأن التكذيب بآيات الله، وقتل الأنبياء وقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس، والذي كان، ولا يزال، دأب اليهود، سبب اختلال الموازين والقيم في الأرض كلها اليوم، وهي سبب انتشار الفتن والبغي والعدوان على المسلمين، وعلى العالم بأسره، وسبب انتشار الفساد والغلاء والفحشاء والبغي، وكافة الآفات النفسية والاجتماعية، بشتى صورتها، في الدول كلها، التي تدعي الحرية منها والتي لا تدعيها. فاستعلاء هؤلاء الظالمين الأشد ظلما في الأرض المباركة وطغيانهم الذي طال حرمات الله تعالى وبيته المقدس يكاد يخفي نور الإيمان والحق، ويكاد يغرق العالم كله في ظلمات الظلم والجهل والكفر!

 

من هنا، تأتي ضرورة التصدي للظالمين، وخاصة هؤلاء الأشد ظلما، ممن يستهدفون دين الله، وكتاب الله، ومساجد الله، وأخصها المسجد الأقصى المبارك، ويعملون على إعلاء باطلهم، ونشر معاييرهم الظالمة، والإفساد في الأرض. فهذا هو سبيل إحقاق الحق، ونصرة شرع الله، وبسط عدله الذي أقام الحياة بأسرها على أساسه. ولذا، حذرنا القرآن الكريم من الركون للظالمين، أو الخنوع أمامهم، وأوضح أشد أنواع الظلم وأفحشه، وندبنا كأمة مسلمة، لنشر دين الله في الأرض، وإعلاء منهجه، ومقاومة الظالمين. كما خوفنا عقوبة التقاعس عن ذلك، إيثارا للحياة الدنيا الفانية، أو كسلا عن القيام بفروض هذا الدين الحق. فالساكت عن الحق شيطان أخرس، ومشارك للظالم في عدوانه، لأنه بذلك يكون قد نأى عن اتباع الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم الذي أمره ربه بقتال الكافرين، خاصة من يعتدون على حرماته تعالى، و"الله لا يحب الظالمين".

 

وهذا الواجب المتمثل في جهاد المنتهكين لحرمات الله تعالى عامة، ولمسجده الأقصى المبارك خاصة، يقع على عاتق كل فرد مسلم، حتى يكون مسلما حقا. فعلى كل منا أن يعد العدّة لجهاد هؤلاء الظالمين بكل ما ملكته يداه، بل وبنفسه التي بين جنبيه، حتى يدفع عدوانهم الذي طال واستشرى. ولنعلم أن هذه الحرمات ليست مسئولية فئة دون أخرى، بل هي مسئولية الأمة الإسلامية كلها أفرادا وجماعات، كل حسب طاقته ووسعه؛ فكما أن هناك جهادا بالنفس، هناك جهاد بالمال، وبالكلمة المقروءة والمسموعة والمكتوبة، وبعدم موالاة الأعداء والتزام مقاطعتهم، وبالدعوة إلى منهج الله تعالى وإلى تحكيمه في الحياة، وبالدعاء والتضرع إلى الله القوي العزيز حتى يأذن بالنصر والفتح المبين.

 

ولاشك أن هذا الجهاد ضد الطغاة الذين يدنسون الأرض المباركة، والبغاة الظالمين الذين عرفوا في تاريخهم بقتل الأنبياء، واستحلال الحرمات، هو أرفع وأسمى أبواب الجهاد كافة. وهناك وعد أكيد بأن هؤلاء المجاهدين الذين يقاومون هذا النوع الأشد من الظلم هم الغالبون المنصورون، فالله تعالى هو القائل: "وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، وليتبروا ما علوا تتبيرا"، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن هذه الأرض المباركة ستكون عاصمة الخلافة في آخر الزمان. فهلا عملنا جميعا بما يكفي لنكون جندا من جنود هذا النصر القادم، وهلا سعينا إلى رفع الظلم عن الأرض المباركة حتى يرتفع عن الأرض كلها، وحينها، يعود المسجد الأقصى المبارك كما كان، وكما هو كائن، وكما سيكون دائما، مسجدا لله تعالى وحده لا شريك له، ويعود نور الحق والعدل يشرق على العالم كله!