نحن في معركة مصيرية على المسجد الأقصى (3)

المجموعة الأم: النشرة
نشر بتاريخ السبت, 03 أيار/مايو 2014 23:35
الزيارات: 2344

بقلم: رائد صلاح

رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني

 

تاريخ النشر الأصلي: 2-5-2014م

 

 

وسط هذا الجو العاصف المكفهر، الذي يحيط بالمسجد الأقصى، والذي جَرّأ رئيسة لجنة المفاوضات الإسرائيلية (ليفني) أن تصرح للإعلام العبري أنها نجحت خلال الأيام الماضية بزيارة إحدى عشرة دولة عربية، وأنها نجحت في إقناع مجموعة من الدول العربية بإلغاء مشروع (صندوق المليار دولار) الذي أُعْلِنَ عنه لمناصرة القدس والأقصى، وأنها نجحت في إقناع بعض الدول العربية الأخرى ألا تدعم أية مشاريع في القدس والأقصى، ووسط هذا الجو الذي يخنقه الغموض، والذي دفع صحيفة (كل العرب) أن تصرح في تاريخ 2014/4/18 أن هناك تفاهمًا بين الاحتلال الإسرائيلي وبين بعض الدول العربية والأطراف الفلسطينية على تقاسم المسجد الأقصى تقاسمًا زمانيًا ومكانيًا، ووسط هذا الجو الملغوم بالصدمات، والذي دفع مؤسسة الأقصى للنشر في صحيفة (صوت الحق والحرية) في تاريخ 2014/4/18 عن مبادرة شركة عالمية مقرها في دُبيّ لإقامة مدينة ملاهٍ على أرض مقبرة (مأمن الله) التاريخية الإسلامية في القدس المباركة – بحسب مصادر صحافية إسرائيلية – وسط هذا الجو الملبد بهذه الظروف المناخية الصعبة، لا زلت أؤكد أن قضية القدس والأقصى هي قضية منتصرة على الاحتلال الإسرائيلي، وأن الاحتلال الإسرائيلي إلى زوال قريب غير مأسوف عليه بإذن الله تعالى. ولا زلت أرى من الواجب أن أضع النقاط على الحروف قدر المستطاع في هذه المعركة المصيرية على المسجد الأقصى، لذلك أواصل تدوين ملاحظتي متوكلًا على الله تعالى.

 

 

 

5. يجب ألا ننسى أن الاحتلال الإسرائيلي عمل، منذ احتلاله للمسجد الأقصى عام 1967، على فرض قطيعة بين القدس والمسجد الأقصى من جهة وبين الأمة المسلمة والعالم العربي من جهة ثانية. ثم عمل على فرض قطيعة بين القدس والمسجد الأقصى من جهة وبين الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة ثانية. ثم عمل على فرض قطيعة بين القدس وبين القدس، فأصبحت هناك القدس المحتلة خلف الجدار الأفعواني، بعد أن بناه الاحتلال الإسرائيلي على صورة أفعى على امتداد حدود القدس مع الضفة الغربية واقتطع قسمًا منها بكامل أرضها وبيوتها ومقدساتها وأهلها بواسطة هذا الجدار عن كل القدس المحتلة، وأصبحت كأنها خارج سياق القدس المحتلة، وأصبح أهلها الذين يصل عددهم إلى مائة وأربعين ألف مقدسي كأنهم لا ينتمون إلى المجتمع المقدسي، الذي وُلدوا فيه وترعرعوا فيه وكبروا فيه!! 

 

 

وهكذا ما عاد في إمكان الأمة المسلمة والعالم العربي الوصول إلى القدس والمسجد الأقصى إلا وفق جدلية ضبابية يتحول فيها الوصول إلى القدس والمسجد الأقصى إلى خطوة تخدم الاحتلال الإسرائيلي، وإن بدت في ظاهرها أنها خطوة تهدف إلى التواصل مع القدس والمسجد الأقصى!! الأمر الذي دفع الشيخ القرضاوي؛ رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن يصدر فتوى مع عشرات من علماء الأمة المسلمة حرّموا فيها على المسلمين من غير الفلسطينيين زيارة المسجد الأقصى بوجود الاحتلال الإسرائيلي، وهكذا ما عاد في إمكان أهل الضفة الغربية وقطاع غزة الوصول إلى القدس والمسجد الأقصى إلا في حالات استثنائية لا تسمن ولا تغني من جوع في جدلية الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي!! وهكذا ما عاد في إمكان المقدسيين القاطنين في الجزء المقتطع من القدس المحتلة، الذين أصبحوا خارج سياق القدس مكانًا ومجتمعًا، ما عاد في إمكانهم الوصول إلى القدس والمسجد الأقصى إلا بشق الأنفس وفي حالات استثنائية تجسد كل حالة منها رحلة عذاب حتى الوصول إلى القدس والمسجد الأقصى!!

 

ماذا يعني كل ذلك؟! 

 

 

 

كل ذلك يعني أنه لم يبق لنصرة القدس والمسجد الأقصى في اللحظة الآنية إلا الأهل في القدس والأهل في الداخل الفلسطيني. وبمعنى آخر لم يبق للقدس والمسجد الأقصى في اللحظة الآنية إلا مليونان من ضمن تعداد الأمة المسلمة والعالم العربي، الذي يزيد اليوم على المليار ونصف مليار!! 

 

 

 

نعم هما مليونان عددًا، وهما مليونان موزعان ما بين القدس والداخل الفلسطيني، وهما مليونان مطالبان الآن وغدًا وبعد غد أن يواصلا الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى نيابة عن المليار ونصف مليار مسلم وعربي حتى يقف الربيع الإسلامي والعربي على قدميه، وينجح في إعادة بناء المعادلة من جديد ما بين الحكام والعلماء والشعوب على الصعيد الإسلامي والعربي، على أمل أن ينجح في إعادة حق الشعوب المسلمة والعربية في اختيار الحكام، وعلى أمل أن ينجح في صناعة وحدة حال، ووحدة موقف، ووحدة إرادة، ووحدة جهود بين العلماء والشعوب من جهة وبين الحكام من جهة أخرى، وعلى أمل أن يدفع بهذه الوحدة الممكنة والمنشودة نحو تحرير القدس والمسجد الأقصى. ويوم أن تتحقق هذه الوحدة فما أسهل على مركباتها الثلاثة؛ العلماء والشعوب والحكام، أن تنجز هذه المهمة، وإن رآها أساتذة وطلاب ثقافة الهزيمة ضربًا من المستحيل. ولكن حتى يتحقق هذا الأمل الممكن والمنشود، فإن هذين المليونين الموزعين ما بين القدس والداخل الفلسطيني مطالبان اليوم بالصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ومطالبان ببذل كل ما يملكان من جهد لإحباط مساعي الاحتلال الإسرائيلي الهادفة إلى تهويد القدس من جهة، والهادفة إلى صناعة أجواء تسمح - في حسابات الاحتلال الإسرائيلي- ببناء هيكل وهمي باطل على أنقاض قبة الصخرة التي تقع في قلب المسجد الأقصى من جهة ثانية، وهما مطالبان بتبني خطاب واضح وصريح وأبدي لا ريب فيه ولا تنازل عنه ولا تفاوض عليه، مفاده أن الوجود الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى هو وجود احتلالي، ولأنه وجود احتلالي فهو وجود باطل، ولأنه وجود باطل فهو وجود بلا سيادة ولا شرعية، ولأنه كذلك فهو وجود زائل زوالًا قريبًا لا أسف عليه بإذن الله تعالى، ولذلك فهو احتلال ملعون، وهو احتلال مرفوض، وهو احتلال منبوذ، وهو لا يملك حقًا في حجر من المسجد الأقصى، ولا يملك حقًا في ذرة تراب من القدس، ولا في بيت منها، ولا في شجرة زيتون منها، ولا في نسمة هواء منها، ولا في زرقة سماء منها، ولا في إشراقة شمس منها، ولا في قطرة غيث أو طلعة بدر أو طلوع فجر أو تفتح زهر أو زقزقة طير منها، وهو احتلال مفسد وشرير وظالم وغاشم ومؤذ وإرهابي وعنصري ومدمر وهدّام وَمُعْدِ، ولا يجوز الاقتراب منه، ولا التعايش معه، ولا ربط خيوط تفاهم رفيعة معه، وإن كانت برُفع خيوط العنكبوت، ويجب علينا فضحه في كل الأرض، وتعريته في كل قارات الدنيا، ونزع الشرعية عنه عند كل بني البشر، وإسقاط القناع عنه وكشفه على حقيقة قبحه والتضييق على تحركه في رحاب المسيرة الفلسطينية والعالم العربي والأمة الإسلامية والحاضر الإنساني!!


ثم ماذا؟!

هما المليونان، الموزعان ما بين القدس والداخل الفلسطيني، يجب أن يدركا اليوم أن من أهم واجبات الوقت الملقاة على عاتقهما الإبقاء على حالة إجماع رفض إنساني وإسلامي وعربي وفلسطيني للوجود الاحتلالي الإسرائيلي في كل فلسطين بعامة وفي القدس والمسجد الأقصى بخاصة، وإن تعذر ذلك فيجب الإبقاء على حالة هذا الإجماع الرافض للاحتلال الإسرائيلي على الصعيد الإسلامي والعربي والفلسطيني، وإن نجح الاحتلال الإسرائيلي في إحداث اختراقات مرفوضة ومؤسفة في هذا الصعيد!!
ثم عليهما أن يدركا أنهما ما داما يصران على ديمومة نزع الشرعية عن الاحتلال الإسرائيلي فسيبقى منزوع الشرعية، ولا يمكن لأية جهة في الأرض أن تمنحه هذه الشرعية مهما ملكت من عدد وعتاد وعدة، وما دام وجوده منزوع الشرعية فإن مسألة زواله هي مسألة وقت ليس إلا، ومن هنا يكمن ثقل دور هذين المليونين الموزعين بين القدس والداخل الفلسطيني، ومن هنا تكمن قيمة المشاريع التي يقومان عليها في القدس والمسجد الأقصى، والتي تهدف إلى دعم صمود الأهل المقدسيين في أرضهم وبيوتهم ومقدساتهم ومؤسساتهم في القدس، والتي تهدف إلى مواصلة حشد أكبر عدد ممكن من الأهل المقدسيين أو من الداخل الفلسطيني في المسجد الأقصى، ومن هنا يكمن الدور النوعي الذي تؤديه مسيرة البيارق إلى المسجد الأقصى، ومصاطب العلم في المسجد الأقصى وإعلان النفير إليه أو الاعتكاف فيه كلما وجب الواجب، بالإضافة إلى دور "مسلمات من أجل الأقصى" ودور "صندوق طفل الأقصى"، ودور الإعلام الحر المناصر للمسجد الأقصى، وضرورة الحفاظ على لُحمة متينة مع هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار في المسجد الأقصى، ولأن هذا الدور الذي يؤديه هذان المليونان الموزعان بين القدس والداخل الفلسطيني بات يعرقل اليوم مخططات الاحتلال الإسرائيلي الذي يؤدي دور الذراع التنفيذية للصهيونية اليهودية العالمية وللصهيونية المسيحية العالمية فإنه قد يجري التضييق على هذين المليونين من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وقد يصيبهما بعض الأذى منه، وقد يصابان باللأواء تارة، والشدة تارة ثانية، والمخالفة والخذلان تارة ثالثة، والحصار والمطاردة تارة رابعة، والتثبيط والتشكيك تارة خامسة، والتجريح والتشويه تارة سادسة، والتجاهل لجهودهم تارة سابعة!! ومع كل ذلك لا بد مما ليس منه بد!! يجب عليهما أن يصبرا اليوم على أداء دورهما المطلوب ليس لمرة واحدة، لأن التضحية لمرة واحدة- وإن كانت ثمينة- لا يمكن لها أن تنصر القدس والمسجد الأقصى!! بل عليهما أن يواظبا على أداء هذا الدور ساعة بعد ساعة، ويومًا بعد يوم، وأسبوعًا بعد أسبوع، وشهرًا بعد شهر، وسنة بعد سنة، دون أن تسقط لهما راية، أو تلين لهما قناة، أو تموت لهما عزيمة، أو تذوي لهما همة، أو تستسلم لهما إرادة. وعليهما أن يعَضَّا على أداء دورهما بالنواجذ صبحًا ومساء ونهارًا وليلًا وصيفًا وشتاءً حتى يأتي أمر الله تعالى الذي لا رادّ له. وحذارِ ثم حذارِ على هذين المليونين الموزعين بين القدس والمسجد الأقصى أن يستكثرا التضحيات، فهما لا ينتصران لمجرد مدينة في الأرض، بل ينتصران للقدس المباركة، وهما لا ينتصران لأي مسجد في الأرض، بل ينتصران للمسجد الأقصى؛ أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، ولذلك فكل ما يبذلانه من أجل القدس والمسجد الأقصى هو قليل، ومن أجلهما يُسترخص كل ثمن وتهون كل التضحيات!! 

فصبرًا صبرًا صبرًا أيها المليونان الموزعان بين القدس والداخل الفلسطيني، وإن اعتقل الاحتلال الإسرائيلي من رجالكم ونسائكم وشبانكم وأطفالكم من اعتقل!! وإن جرح منهم من جرح!! وإن أسال منهم دماء من أسال!! وإن مزق منهم ثياب من مزق!! وإن طرد منهم من طرد!! فلكم العاقبة القريبة بإذن الله تعالى!! والاحتلال الإسرائيلي إلى زوال قريب غير مأسوف عليه!! 
ويا حيف على كل واحد منا تولى يوم الزحف لنصرة المسجد الأقصى، أو قد يتولى في يوم زحف قادم.. يا حيف... يا حيف... يا حيف. 

 

يتبع ​