سياسات الاحتلال في المسجد الأقصى.. وإمساك العصا من الوسط

المجموعة الأم: النشرة
نشر بتاريخ الأحد, 19 نيسان/أبريل 2015 11:46
الزيارات: 2335

بقلم: ا.صالح لطفي 

تاريخ النشر الأصلي:  2014-11-16

المصدر: مركز الدارسات المعاصرة - أم الفحم - فلسطين 48

 

لقد قامت المؤسسة الإسرائيلية على أساس من الإرث الاستعماري البريطاني، وورثت سياساته كما ورثت أخلاقياته الاستعمارية في التعامل مع الفلسطينيين. وعندما قامت عام 1948 قامت على أشلاء الدماء والتهجير والإبادة (يفضل الإسرائيليون استعمال مصطلح الترانسفير بدلا من الطرد والإبادة، وكاتب هذه المقالة ينظر إلى مآلات السياسة لا فلسفتها في مثل هذه الحالة)، وفي سياستها التي طبقتها على الفلسطينيين في فلسطين التاريخية استعملت ولا تزال ثلاث سياسات؛ سياسة التمييز العنصري القائم على أساس من سياسات الضبط والمراقبة، وسياسة الإقصاء من كافة مناشط حركة الحياة ومقدرات هذا الوطن، وسياسة العنف القائمة على السطوة والاعتقالات والمصادرات، التي تصل أحيانا كثيرة حد القتل، تبعا للحالة التي تتطلب القتل؛ فهي أكثر اتساعا في مناطق عام 1967 مما عليه في الداخل، ولكنها لا تنسى أن تذكرنا بها بين الحين والآخر.

ولتحقيق هذه السياسات تستعين المؤسسة الإسرائيلية بوسائل عديدة نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، أداة المخابرات والتجسس ابتداء من الأعمال الأكاديمية "الاستشراقية"، وانتهاء بالعمالة الوضيعة المتمثلة بإسقاط الضعفاء من أبناء شعبنا بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية والحمائلية وأحيانا العلمية والمادية. وهناك أداة شرعت المؤسسة في استعمالها عبر توظيفها بوسائل مختلفة لخطورتها واحتمالات عدم السيطرة عليها إذا ما اشتد عودها، وهي أداة "الدين"، إذ يوظّف الدين كمعطى سياسي في العقلية الإسرائيلية لتحقيق إيديولوجيات تمتّن (تقوّي) الهوية الإسرائيلية-اليهودية في سياقها الصهيوني. ويُعدّ "الصعود إلى جبل الهيكل" (اقتحام المسجد الأقصى) أحد أهم أدوات التوظيف الديني، فضلا عن انتشار واسع النطاق لدروس ودورات شعبية في الشروحات "التلمود" و"القبالاه". وهناك حاخامات لهم اسم وشعبية في المجتمع الإسرائيلي التقليدي تفوق قيادات سياسية.. وهذه العملية خلقت في العشريات الأخيرة نوعا من التدين المجتمعي الجامع بين الدلالات الحياتية العلمانية وبين القيم الدينية، وشكَّل "الصعود إلى الهيكل" (اقتحام الأقصى) أحد أهم دلالات التدين. ولعل ما كشف عنه استطلاع الرأي الصادر أول من أمس عن المعهد الإسرائيلي للديموقراطية حول صلاة اليهود في الأقصى دلالة على تمدد الدين في حياة الإسرائيليين؛ إذ كشف الاستطلاع عن أن 38,5% يؤيدون الصلاة في الأقصى، ولو كلف ذلك سفكا لدماء المصلين المسلمين.

 

بما أن المؤسسة الإسرائيلية تفكر بمنطق المستعمر المدبج بمنظور ديني يتصاعد يوميا، وبما أن المسيطر على مفاتيح العديد من الملفات هم من خريجي المدرسة الدينية التقليدية، أو التقليدية العلمانية المتماهية مع الحالة الدينية، وفي ظل حملات التصعيد الرسمي والإعلامي والشعبي لانتهاك حرمة الأقصى، ومع استمرار الاحتلال في استعمال أدوات العنف مع المصلين وبخاصة من النساء المرابطات، وفي ظل تعاظم المطالبة بالصلاة في المسجد الأقصى، فليس من المستبعد أن تقدم السلطات الإسرائيلية على ارتكاب حماقة فتقتل عددا من المصلين المسلمين لتعيد تكرار تجربة المسجد الإبراهيمي. ولا أستبعد شخصيا أن تقتل هذه السلطة عددا من المستوطنين الإسرائيليين في ساحات الأقصى لتبرر سياساتها الرامية إلى تقسيم وفرض موطئ قدم شرعي معترف به عالميا.

 

ولكن الذي يغيب عن السلطات الإسرائيلية هو أن الشعوب، وهي تناهض الاستعمار، تتعلم من تجاربها ولا تكرر أخطاءها، بخاصة إذا كانت تقودها قيادات مخلصة. وقد بات واضحا أن تجربة المسجد الإبراهيمي لن تتكرر، بله لا بدَّ من إعادة الأمور إلى مربعاتها الأولى. فالأراضي المحتلة عام 1967 خاضعة للاحتلال، وكل ما وقع عليها باطل بحكم بطلان هذا الاحتلال، وإن سيطرتهم الاحتلالية على حي المغاربة وهدمه لا يعني أنه أصبح مباحا وحلالا و"كشير"، كما أن سيطرتهم على المسجد الإبراهيمي ومنع المصلين من دخوله بين الحين والآخر لا يجعلها شرعية. فالاحتلال هو الاحتلال... ولا بدَّ من تظافر الجهود الفلسطينية والترفع عن الفصائلية، بخاصة من يتوسد أمر الشعب الفلسطيني اليوم، فالأمر جدَّ جلل وليس بالهزل، والشعوب تقاس قدراتها ونزوعها إلى الحرية ليس في نضالها الذي لا يتوقف فحسب، بل في مدى تعاطيها العقلاني والاستراتيجي مع المخاطر التي تهددها..

 

تسعى المؤسسة الإسرائيلية كدولة احتلال إلى إمساك العصا من الوسط في كل سياستها المتعلقة بنا كفلسطينيين، وبالذات في المسجد الأقصى، ولن تنجح حتى لو وقف معها العالم أجمع، فمطلب الحياة الكريمة العادلة على تراب هذا الوطن يتحول يوميا إلى فريضة من فرائض الوقت.