أحداث عامي 2014-2016، هل كانت انتفاضة ثالثة أم مجرد هبة شعبية؟

المجموعة الأم: النشرة
نشر بتاريخ الأحد, 02 تشرين1/أكتوبر 2016 10:32
الزيارات: 2345

بقلم: خالد أبوعرفة – مقدسي مبعد

نشرت الجمعة 23/09/2016

على موقع كيوبرس

 

تصادف عودة أحداث المقاومة في مدينة القدس والضفة الغربية ذكرى انطلاقها الأول في العام 2014م، ومن ثم امتدادها عبر العامين التاليين. وبهذه المناسبة سأحاول استعراض ملف هذه الأحداث في خمس حلقات متتابعة: (الأولى: هل كانت الأحداث انتفاضة ثالثة أم مجرد هبة شعبية؟، الثانية: مقاومة المقدسيين في الانتفاضة الثالثة، الثالثة: سمات وخصائص الانتفاضة الثالثة، الرابعة: مواقف الأطراف الفلسطينية في الانتفاضة الثالثة، الخامسة: موقف الاحتلال من “مشاركة المقدسيين” في الانتفاضة الثالثة).

 

ونبدأ مقالتنا بالموضوع الأول: هل كانت الأحداث انتفاضة ثالثة أم مجرد هبة؟ حيث حاولت الأدبيات والتصريحات السياسية أن تفرّق بين كون أحداث عامي 2014- 2015م مجرّد “هبة” أو “موجة” أو “انتفاضة”. حيث أن لكل تعبير من هذه التعبيرات مدلولاتها السياسية والأمنية والثورية، إضافة إلى التبعات المتعلقة بهذه التعبيرات، تحديداً لدى الطرف الإسرائيلي، بسبب انعكاسات ذلك على الخطط الأمنية والموقف القانوني وحصّة الميزانية والنفقات في الأجهزة الرسمية المختلفة.

 

وكانت مدينة القدس قد شهدت ما بين نهاية الانتفاضة الثانية عام 2005م ومنتصف العام 2014م وكذلك عموم الضفة الغربية، هدوءاً نسبياً فيما يتعلق بمقاومة الاحتلال، وغلب على المقاومة أسلوب المقاومة السلمية، وتركزت في بؤر محدودة متعلقة بمقاومة جدار الضم والتوسع العنصري، إضافة إلى مصادرة الأراضي وهدم البيوت.

 

خطف وإحراق المستوطنين للفتى أبو خضير:


إلا أنه وفي تطوّر لافت، وفي أعقاب قيام مجموعة من المستوطنين بخطف الفتى المقدسي “محمد أبو خضير” أوائل شهر تموز من العام 2014م ومن ثم حرقه حيّاً، اشتعلت أحياء مدينة القدس بالأحداث المناهضة للإحتلال، ثمّ انتشرت الاحتجاجات والمظاهرات إلى سائر الأراضي الفلسطينية. واستمرت المظاهرات بين شدّ وجذب مع ما رافقها من اشتباكات مع قوات الإحتلال قرابة خمسة عشر شهراً، حتى اشتعلت مرة أخرى أوائل شهر تشرين أول من عام 2015م وبصورة نوعية غلب عليها طابع دهس الجنود والمستوطنين وطعنهم بالسكين.


وقد ذهب العديد من السّاسة الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى تسمية أحداث الإحتجاج ب”الانتفاضة الثالثة”، أو “انتفاضة الأفراد”، حيث اجتاحت الأحياء المقدسية سلسلة عنيفة من المظاهرات، قادتها جماهير غاضبة بشكل متتالٍ، كلما هدأت في حيّ اشتعلت في آخر. فقد اشتعلت المدينة بالأحداث الفردية والجماهيرية، واجتاحت المواجهات الليلية الأحياء والبلدات، وكذلك في وضح النهار، وسقط العديد من الشهداء إضافة إلى مئات الجرحى.


في مقابل ذلك شنت قوات الاحتلال حملات متتابعة ومتنوعة، لوضع حد لهذه الانتفاضة، فهددت جهات حزبية اسرائيلية بسن قوانين لتجريم المقاومين المقدسيين، وأعلن المسؤولون الإسرائيليون، السياسيون والأمنيون، عن خطط “قيد التنفيذ”، وأخرى “قيد الدراسة” لمواجهة أعمال “الإرهاب والتخريب” التي يقوم بها المقدسيون.

 

وقد اعتبر المعلق العسكري الإسرائيلي “رون بن يشاي” في صحيفة “يديعوت أحرونوت” أواخر كانون الثاني 2015م “ما يجري من مواجهات في القدس والضفة الغربية، إلى جانب حوادث من وقت إلى آخر من نوع هجوم بسلاح ناري، أو تفجير عبوة محلية الصنع أو حادثة دهس، هو انتفاضة ثالثة”. وقال: “هي على عكس سيناريوهات الرعب التي توقعناها استناداً إلى تجربة الماضي، ليست انتفاضة جماهيرية مثل الانتفاضة الأولى، ولا تشمل هجمات (إرهابية) كبيرة وقاتلة مثل الانتفاضة الثانية. هي عملياً مستمرة منذ عشرة أشهر، أي منذ انهيار مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإجراء مفاوضات مباشرة، لكنها لم تحصل على تسمية انتفاضة مثل سابقاتها لأنها تجري بصورة عامة على نار هادئة”.

 

الكاتب والمحلل السياسي البريطاني “دافيد هيرست”، رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي”، قال في مقالة بعنوان “المعركة على القدس”: “أبرز ما يميز هذه الانتفاضة الفلسطينية، عن الانتفاضتين اللتين سبقتاها، أنها ستكون معركة يخوضها الفلسطينيون الذين يعيشون داخل الجدار الذي أنشأته إسرائيل حول نفسها، أي من قبل فلسطينيي القدس الشرقية وفلسطينيي أراضي 1948 والذين هم “مواطنون إسرائيليون”، وأضاف هيرست: “وبهذا يكون نتنياهو محقاً هذه المرة في إعلانه أن هذه فعلاً هي “المعركة من أجل القدس”. وهي إما أن تكون المعركة الأخيرة التي يخوضها الفلسطينيون قبل أن يستولي المستوطنون على القدس الشرقية بأسرها، أو أنها ستكون المعركة الأولى في نضال أكبر وأطول، بحيث تصبح فيه القدس “قطب جذب” للمقاتلين من كل حدب وصوب، سنة وشيعة، علمانيين وإسلاميين، جهاديين أو تكفيريين أو قوى قومية ووطنية. لقد اختار نتنياهو الساحة القادرة على جذب جميع هؤلاء إليها”.

 

إحراق المستوطنين لمنزل عائلة دوابشة:


وكانت أحداث العام 2014م بمثابة هبة أو موجة أولى من الانتفاضة الثالثة. وتوالت أحداثها في موجات متتالية، حتى تخللتها حادثة إحراق المستوطنين لمنزل عائلة دوابشة في قرية دوما قضاء نابلس بتاريخ 31/7/2015م، والتي أدت إلى استشهاد طفلها على الفور ثم استشهد على إثره والديه. وهكذا توالت الإعتداءات الإسرائيلية على أيدي قوات الإحتلال تارة، وتارة على أيدي المستوطنين. ثم كانت عملية الشاب “مهند حلبي” من قرية سردا قضاء رام الله بتاريخ 3/10/2015، حيث قام حلبي بالثأر ل”الأقصى والحرائر والشهداء”، فقتل اسرائيليين اثنين وأصاب آخرين في البلدة القديمة من القدس، فكانت الحادثة إيذاناً بانطلاق الموجة الثانية من “الانتفاضة الثالثة”.

 

وقد وصف العديد من الكتاب والمحللين هذه الأحداث ب”انتفاضة القدس” أو “الانتفاضة الثالثة”. وأن “العمود الفقري” للانتفاضة الجديدة يتمثل في “الجيل الذي ولد على أعتاب اتفاقات أوسلو وإبّانها”، وأنه جيل لم تكبله الاتفاقات ولا الإلتزامات الدولية والأمنية. وأن “الانتفاضة الثالثة” قد انطلقت فعلاً. وأنها تحمل في انطلاقتها ومسارها خصوصياتها التي تميّزها عن الانتفاضتين الأولى والثانية. وأن هذا أمر طبيعي يتعلق بسياق الظروف والمعطيات المتنوعة.

 

ويشترط البعض لتسمية أعمال المقاومة الجارية بالإنتفاضة، توفر أهداف واضحة وقيادة موحدة، بينما أطلقت هذه التسمية على انتفاضات سابقة دون توفر هذين الشرطين بالمعنى الفعلي، ويكفي أن تتميّز أية انتفاضة بخصائص تنفرد بها، عدى مشاركتها لغيرها من الإنتفاضات بخصائص مشتركة. وفي حالة (الانتفاضة الثالثة) فإن كثافة العمليات الفردية والتعاطف الشعبي الكبير، وتواصل عمليات المقاومة منذ شهر تموز 2014م وحتى أوائل العام 2016م، كذلك ما حققته الانتفاضة من إنخفاض نسبي في أعمال الاستيطان التوسعية، وتوقف ملحوظ في مشاريع تهويد المسجد الأقصى، إضافة إلى انتقال بعض مظاهر الإنتفاضة إلى الداخل الفلسطيني، يقابل ذلك خسائر سياسية وأمنية واقتصادية للإحتلال، إضافة إلى حالة الرعب المتزايد في أوساط الشارع الإسرائيلي، كل ذلك دفع باتجاه تسمية الهبة بالانتفاضة الثالثة، وهكذا تكون هذه الانتفاضة قد انفردت بخصائصها.

 

وجهة النظر الإسرائيلية:


في الاتجاه المذكور آنفاً ذهب أبرز المحللين الإسرائيليين وعدد من أعضاء الكنيست الإسرائيلي، حيث باتوا يسمّون الأحداث بالتصعيد الفلسطيني أو “الانتفاضة الثالثة” . بينما رأى آخرون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بيبي نتنياهو” يسعى إلى دفع الأحداث وتحويلها باتجاه انتفاضة ثالثة، من أجل تخفيف الضغط الدولي الهادف إلى إجبار اسرائيل للوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين.

 

وبالرغم من امتناع الإعلام الإسرائيلي عن توصيف الإحتجاجات في مدينة القدس والضفة الغربية بالانتفاضة، بتوجيه من الحكومة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، إلا أن سير الأحداث ومفاجآتها فرضت على الإعلام العبري إطلاق هذه التسمية كعناوين بارزة للصحف ومواقع الأخبار. فموقع “واللا” العبري اعتمد منذ يوم الأحد 4/10/2015م متابعة الأحداث يومياً بعنوان: “في الطريق نحو انتفاضة ثالثة”. بينما كتب المحلل العسكري والسياسي في الموقع “آفي سخاروف” مؤكداً على أن الأحداث الراهنة تعبر عن انتفاضة حقيقية، وأن اتساع رقعة المواجهات في الضفة الغربية ودخول فلسطينيي الداخل على خط المواجهة، سيحسم الأمر. وقد تطابقت هذه الأقوال مع تحليلات المحلل العسكري “رون بن يشاي” في موقع “واي نت”.


وجاء في “يديعوت أحرونوت”، مقال للكاتب الإعلامي “ناحوم برنياع”، جاء فيه أن هذه “انتفاضة ثالثة”، ومن المهم تسميتها كما هي، كي لا يُتاح للساحة السياسية والعسكرية بالتملص والهروب من المسؤولية. بينما قال الكاتب الإسرائيلي “يوسي يهوشيع”، أنه من الناحية العملية الميدانية يجب الاعتراف بالحقيقة بأن الانتفاضة “هنا وموجودة”، وإن كانت لا تدار بشكل مركزي حسب قوله، وأن عاصمة الانتفاضة الآن ليست نابلس أو جنين، بل هي مدينة القدس.

 

وأطلق الكاتب الإسرائيلي “عاموس جلبوع” عليها في موقع نيوز: “الانتفاضة الناعمة”، وذلك في مقال له يحمل ذات الاسم، وأشار إلى أن ما يعيشه الإسرائيليون من أجواء منذ سنين إنما هو انتفاضة. ولفت إلى أنه بين عامي 2012-2014 نُفذت نحو 4,000 عملية إلقاء حجارة وزجاجات حارقة وكذلك طعن ودهس.

 

المعارضون لتسمية الأحداث ب”الانتفاضة”:


اكتفى بعض المحللين من جهة أخرى بوصف الأحداث ب”المواجهة الشعبية”، وأنها مرشحة للارتقاء إلى مستوى هبة شعبية في كافة الأراضي الفلسطينية. فيما رأى آخرون أنها “موجة انتفاضية” تفتقد إلى اكتمال العناصر الرئيسة الساندة لتشكل انتفاضة شاملة. ووصفها البعض ب”الشرارة” التي تحتاج لمقومات وروافع لتصل إلى مستوى الانتفاضة.

 

وعلّل آخرون بأن “المسرح ليس جاهزاً لاستقبال انتفاضة جماهيرية”، وأن ذلك يعود لغياب أغلب التجمعات السكانية عن المشاركة في الهبة الراهنة، كذلك غياب المشاركة النقابية والمهنية والأجيال المتنوعة، وانحصار الهبة بجيل الشباب والفتيات، كما أنه لا بد من توفر عنصر القيادة الجماهيرية وما ينبثق عنها من لجان تعنى ببرامج التوعية والإرشاد. ورأى هؤلاء أن “تقلص الثقافة الوطنية” واستبدالها ب”الثقافة الإستهلاكية” سبب آخر لعدم جهوزية المسرح لانتفاضة جماهيرية.

 

أما المحلل في الشؤون العسكرية الإسرائيلية “كوبي ميخائيل فنشر”، فقد وصف الأحداث بـ”التصعيد التدريجي المترافق مع أحداث عنف واضطرابات أمنية”، حيث لفت في دراسة له بعنوان “التصعيد مع الفلسطينيين: ملاحظات وتوصيات”، ذكر فيها ما عدّه أهم نتائج التصعيد الميداني الحاصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث قال إن الأحداث الجارية لم تصل بعد مرحلة الانتفاضة الشعبية الحقيقية.

 

وقد رجح الباحث تسمية “الانتفاضة الثالثة” أو”انتفاضة القدس”، فيما اعتمد إطلاق تسمية “الهبة الأولى” على الأحداث الأولى التي انطلقت في شهر تموز من عام 2014م، وتسمية “الهبة الثانية” على أحداث شهر أكتوبر من عام 2015م.

 

—————————
المراجع:


الانتفاضات الثلاث: شهادات اسرائيلية، د.أسعد عبد الرحمن
 

اجعلوها انتفاضة تحرير منتصرة، منير شفيق


هل نحن أمام انتفاضة ثالثة أم هبة شعبية؟ ياسين عز الدين


انتفاضة ثالثة؟ من يختار التسميات، رامي منصور


نتنياهو يُغذي الهبة لتتحول لانتفاضة، بلال ظاهر


الإعلام الصهيوني: الانتفاضة الثالثة انطلقت، المركز الفلسطيني للإعلام


تصعيد المواجهة الشعبية الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي، تقدير موقف”، د. عزمي بشارة


سياق الموجة الانتفاضية وآفاقها، تحليل وضع، د. خليل شاهين


الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، خيار أم ضرورة، د. أحمد الحيلة


انتفاضة القدس، د. عبد الستار قاسم


كيف تعاملت مراكز البحوث الإسرائيلية مع الانتفاضة؟، تقرير الجزيرة نت