مكتبة الأقصى تعيد الحياة إلى المخطوطات القديمة من جديد (تقرير)

المجموعة الأم: النشرة
نشر بتاريخ الجمعة, 28 آذار/مارس 2014 12:01
الزيارات: 2902


مقر مركز مخطوطات المسجد الأقصى المبارك في المدرسة الأشرفية بالسور الغربي للمسجد

 

فى عام 1920 اصدر المجلس الاسلامى الاعلى فى القدس طلبا عاجلا الى المهتمين فى مختلف انحاء العالم العربى والإسلامي لإثراء مكتبة المسجد الاقصى المبارك التى افتتحت مؤخرا داخل ساحات المسجد المبارك بالكتب والمخطوطات.

 

وأقبل كثير من العائلات المقدسية على التبرع بمجموعاتهم الخاصة لمكتبة المسجد الاقصى بغرض الحفاظ على هذه الكتب. وسرعان ما تزايدت الكتابات من مختلف الأنواع داخل المكتبة ووصل عددها الى نحو 130 الف كتاب، بينها 4000 مخطوطة.

 

صورة توضح موضع المدرسة الأشرفية حيث مركز المخطوطات من المسجد الأقصى المبارك

 

ومع مرور ما يقرب من قرن منذ ذلك الحين، تتعرض كثير من هذه المخطوطات التى يمتد عمرها لقرون خلت للتحلل والبلى، وهو ما حدا بالمسئولين فى ادارة الاوقاف الاسلامية المسئولة عن الشئون الداخلية للمسجد الأقصى المبارك للشروع فى اعمال ترميم لمخطوطات مكتبة المسجد الأقصى، بهدف تحويلها الى صيغة رقمية، أسوة بكثير من الوثائق التاريخية فى العالم التى تم تحميلها على الانترنت.

 

فمن خلال إتاحة كل هذه المخطوطات بصورة رقمية على الانترنت، يأمل المسئولون في مكتبة المسجد الأقصى فى أن يمكنوا الباحثين والعلماء من مختلف انحاء العالم من الاستفادة من الكنوز العلمية التي تضمها، في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي يحول دون وصول هؤلاء الباحثين الى المسجد الاقصى. بل ان سلطات الاحتلال تمنع حتى أهل فلسطين من قطاع غزة والضفة الغربية من الوصول الى المسجد المبارك.

 

يقع مركز المخطوطات فى غرفتين منفصلتين فى مقر المدرسة الاشرفية الواقعة داخل الرواق الغربى فى المسجد الاقصى المبارك والذي يعتبر ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال فى الاسلام. ويحتل المسجد الأقصى الذي يقع على جبل بيت المقدس مكانة عظيمة في قلوب المسلمين باعتباره المسجد الذى اسرى بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم اليه وعرج منه الى السماوات السبع فى رحلة الاسراء والمعراج.

 

وتؤكد اليونسكو ان المكتبة تضم بعض اهم مجموعات المخطوطات الاسلامية فى العالم بأسره، بينها نسخة قديمة من المصحف الشريف. كما يرجع أقدم كتاب فى المكتبة الى 900 عام مضت، أى منذ العهد الفاطمى. فضلا عن ذلك توجد بالمكتبة كتب حديثة نسبيا تعود الى القرن 19 الميلادي.

 

وكان هدف المجلس الإسلامي الأعلى من وراء دعوته إلى إمداد مكتبة المسجد الأقصى بالكتب هو الحيلولة دون وقوع مثل هذه الكتب والمخطوطات القديمة بيد اليهود والاجانب الذين كانوا على استعداد لدفع مبالغ كبيرة مقابل وضع اليد عليها. وقد ساهم هذا الجهد كثيرا في منع تبديد التراث الاسلامى فى واحد من أهم المراكز العلمية فى العالم.

 

تتركز أغلب موضوعات الكتب المتاحة في مكتبة المسجد الأقصى حول العلوم الدينية إضافة الى علوم الجغرافيا والفلك والطب، كما تحوي بعض الصفحات خطابات ورسائل شخصية تم تبادلها حول الرحلات والجولات التي قام بها رحالة مسلمون فى منطقة الشام والمشرق الاسلامى في القرن 18 الميلادي.

 

ويؤكد رضوان عمرو، أحد القائمين على مشروع ترميم المخطوطات القديمة في مكتبة المسجد الأقصى أن أشهر مخطوطات المكتبة تتمثل في المجموعة التي كتبها الإمام أبو حامد الغزالي، وهو من علماء القرن الـ 12الميلادي.

 

وكان أبو حامد الغزلي قد غادر بغداد عام 488هـ = 1095م بعد صراع نفسي تردد فيه بين شهوات الشهرة في الدنيا ودواعي الآخرة، في جولة استمرت 10 سنين انتقل خلالها إلى بيت المقدس، حيث اجتهد في العبادة والطاعة، وأخذ في التصانيف المشهورة فيها، فيقال إنه صنف كتابه الشهير "إحياء علوم الدين"، بعد أن أقام بالزاوية التي على باب الرحمة شرقي المسجد الأقصى، وكانت تسمى الناصرية، فسميت بالغزالية نسبة إليه.

 

وكانت مكتبة المسجد الأقصى قد استمرت فى أداء وظيفتها فى جمع الكتب وإتاحتها للاطلاع لعدة سنوات بعد افتتاحها وسرعان ما تعرضت للإغلاق عدة مرات مع اندلاع ثورة البراق 1929م، حين احتج المسلمون على قيام يهود بوضع أدوات تستخدم في الشعائر الخاصة بهم أمام حائط البراق القائم في السور الغربي للمسجد الأقصى، قريبا من مقر المكتبة، في محاولة لإثبات أحقية لهم بالحائط.

 

ففي ذلك الحين، تم حفظ المخطوطات في حقائب وأدراج في مبنى مجاور بطريقة متعجلة وغير صحيحة، وظلت هناك لنحو نصف قرن حتى أتيح لها مكان مناسب جديد.

 

ولدى استعادة الكتب، تبين تعرضها لقدر كبير من التلف، حيث كان كثير منها مقطعا وتالفا تماما، وبلغ عدد المخطوطات التي تعاني من حالة التلف نحو الربع.

 

وحاليا، يجري ترميم 50% من الكتب بالفعل، ولكن النصف الآخر لا يزال مكشوفا ومعرضا لعوامل التلف في غرفة صغيرة في المكتبة. وقد أحدثت الحشرات خروقات كثيرة في الأوراق غير المحمية، بينما تناثرت الآلاف من الصفحات المنفصلة عن كتبها على طاولة طويلة يعكف الخبراء على مضاهاتها بالكتب لإعادتها إليها.

 

تتولى تمويل مشروع الترميم إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس والتي يشرف عليها الأردن، وتأمل أن يحافظ على ما بقي من المخطوطات. ولكن عملية الترميم تستغرق وقتا طويلا وتحتاج إلى جهود كثيرة وممتدة.

 

وبحسب رضوان عمرو، تمكن الفريق المكون من 10 أشخاص، منذ بداية العمل بمشروع الترميم قبل ست سنوات، من استعادة 400 مخطوطة، إضافة إلى خرائط قديمة، وسجلات تجارية وسكانية تعود للفترة العثمانية، فضلا عن وثائق مكتوبة بخط اليد تعود إلى الفترة المملوكية بين القرنين 13 – 16 الميلاديين.

 

ورغم عدم توافر تقديرات مناسبة لحجم العمل المطلوب إنجازه حتى يكتمل المشروع، إلا أن القائمين عليه يؤكدون أن كل صفحات المخطوطات تقريبا تم تحويلها إلى صيغ رقمية، وبنهاية العام، سيتم وضعها على الإنترنت. فلكي تظل مكتبة بأهمية مكتبة المسجد الأقصى المبارك جزءا من العالم العربي الذي يبدو أن الاحتلال فصلها عنه، لا مفر من إتاحة كتبها للجميع شبكيا، فهذا هو السبيل إلى بقائها على الخريطة.

 

جدير بالذكر أن مركز المخطوطات في المسجد الأقصى المبارك أصبح إدارة مستقلة عن إدارة المكتبة، كما تقع المكتبة في مبنى آخر داخل المسجد هو مصلى النساء غربي المصلى القبلي الرئيسي، وبمحاذاة السور الجنوبي للمسجد الأقصى.

 

** بقلم: أريج حزبون

** ترجمة وتحرير: آيه يوسف