رسالة
ثقافة العنصرية وتضليل العقول
- التفاصيل
- المجموعة الأم: النشرة
- نشر بتاريخ الأحد, 20 آذار/مارس 2016 10:25
- الزيارات: 2199
بقلم: حكمت نعامنة – مدير عام “كيوبرس”
تاريخ النشر الأصلي: الأربعاء 16/03/2016
في شهر أيار/مايو 2015 قدّم مركز سيمون فيزينتال (Simon Wiesenthal Center) في أمريكا طلبًا للديوان الملكي الأردني والسلطة الفلسطينية، بإدانة تصريحات وروايات أدلى بها الشيخ المقدسي خالد المغربي، عن تاريخ اليهود في أوروبا وسيطرتهم على العالم من خلال الإعلام والسينما والمال، خلال أحد الدروس التي يلقيها في محراب المسجد الأقصى المبارك ويتم تسجيلها ونشرها في صفحته على موقع يوتيوب.
كانت هذه البداية فقط. فبعد شهر واحد من هذا الطلب، تسلّم الإعلام العبري ملف التحريض على الشيخ خالد المغربي وقام بترجمة دروسه إلى اللغة العبرية، ليشرع بعد ذلك في حملة تحريض مبرمجة تبعها تحرك مخابراتي واقتحام منزله واعتقاله ومصادرة أغراضه في أكثر من مناسبة، إلى أن تم تقديم لائحة اتهام ضده بالتحريض على العنف والإرهاب، وإدانته في نهاية الأمر بالتحريض على العنصرية وحبسه فعليًا 11 شهرا.
الشيخ المغربي الذي علّق على باب منزله في حي السعدية ورقة بيضاء كُتب عليها “خد ما تحتاج… وضع ما لا تحتاج” ومنها انطلقت حملة واسعة لتبادل الخيرات بين سكان المدينة المقدسة، والشيخ المغربي الذي أفنى عمره في المسجد الأقصى المبارك وتسابق الصغير والكبير للاستماع لمواعظه ودروسه فيه؛ يُدان بالتحريض على العنصرية في المسجد الأقصى؛ بينما صمتت أفواه من اعتبروا أنفسهم أوصياء عليه، ولم يكلّفوا أنفسهم بتوكيل محام دفاع عنه أو حتى خط بيان يستنكر هذا الحكم الجائر.
إذا أردنا أن نعرف السبب الحقيقي وراء اعتقال الشيخ خالد المغربي والآلاف من الفلسطينيين غيره دون وجه حق، لا بد لنا أن نعود إلى حزيران/يونيو 2012 في جامعة حيفا، حين اعترف الكاتب الاسرائيلي سامي ميخائيل من على إحدى منصات الجامعة، أن “اسرائيل” هي الدولة الأكثر عنصرية في العالم المتقدم، وأن الثقافة الاسرائيلية مسمّمة كما الاسرائيليون يغذون أنفسهم بالكراهية (صحيفة هآرتس 26.6.2012).
من هو سيمون فيزينتال
سيمون فيزينتال الملقّب بـ “صيّاد النازيين” الذي كرّس وقته لملاحقة الألمان النازيين ومحاكمتهم، هو مهندس معماري يهودي الديانة نمساوي المولد، أسّس منظمة “مركز سيمون فيزينتال” العالمية والتي تدّعي أنها منظمة لحقوق الإنسان ومواجهة معاداة السامية والكراهية والإرهاب، وتعزيز حقوق الإنسان وكرامته، إلى جانب وقوفها مع “إسرائيل” والدفاع عن سلامة اليهود في جميع أنحاء العالم، وتعليم دروس المحرقة للأجيال القادمة، كما جاء على موقعها في الانترنت باللغة الأجنبية.
وبلغة أدق، فإن مركز سيمون فيزينتال هو من رصد مبلغ 105 مليون دولار لبناء ما أُطلق عليه “متحف التسامح” على قبور وأضرحة العديد من الشهداء والأولياء والصدّيقين في مقبرة مأمن الله الاسلامية في مدينة القدس، وساهم في تشويه التاريخ الانساني وتهويد معالم القدس العربية والإسلامية.
كيف إذاً لمن يدّعي “التسامح” أن ينبش القبور وينتهك حرمة الميت، وهل تعزيز حقوق الانسان وصيانة كرامته يتم من خلال تشويه تاريخه وتحريف هويته الدينية والثقافية والأثرية وغيرها من الخصوصيات البشرية؟؟
تشويه التاريخ العالمي والمقدسي
لنتعرف أكثر على منظومة عمل هذا المركز، سنُبحر في عالم وسائل الإعلام والأدوات والأذرع التي استخدمها الاحتلال الاسرائيلي والصهيونية العالمية لتشويه التاريخ، وأهمها “مركز سيمون فيزنتال” الذي يستثمر مبالغ خيالية لبناء وإدارة المتاحف حول العالم وتقديم العروض المتطورة، بالإضافة إلى قسم خاص للسينما أُطلق عليها “موريا للأفلام” (Moriah Films) التي تنتج أفلامًا وثائقية وقصصية وعروضًا مسرحية، ولها آلاف الأفلام التي حازت على جوائز في مسابقات عالمية كفيلميّ الإبادة الجماعية (1981) والطريق طويل المنزل (1997)، ومن الممثلين البارزين فيها أورسون ويلز واليزابيث تايلور ومايكل دوغلاس، وغيرهم من الممثلين الصهاينة العالميين.
هذه الوسائل قاطبة تتطلع إلى إعادة بناء وعي عالمي جديد حول اليهود وتاريخهم من منظور أحادي، تُرفع فيه مكانتهم و”الظلم الواقع عليهم” على مدار العصور، عدا عن تشويه تاريخ الحضارات الانسانية وخاصة المسلمين، من خلال تقديم رؤى جديدة حول أصول الصراع في الشرق الأوسط وأحقية اليهود في القدس وغيرها من الأراضي العربية والاسلامية.
وتكمن خطورة هذا الأمر في أن هذه المواد تدخل إلى كل منزل حول العالم من خلال شبكة قنوات وفضائيات تابعة لها أو تتعاون معها مثل HBO وشوتايم وستارز، قناة 4 في المملكة المتحدة، ORF في النمسا، RAI في إيطاليا، وكذلك على الصينية والألمانية والفرنسية والروسية، ومحطات التلفزة الإسرائيلية وغيرها من القنوات.
أما في مدينة القدس، فإنه لا يمكن لنا أن نغض الطرف عن الجولات “التعليمية” في المدينة والتي ترعاها جمعية إلعاد الاستيطانية المسؤولة عن مجمع ما يسمى بـ”مدينة داوود”، بهدف غسل دماغ الزوار من اليهود والأجانب. إذ تملك “إلعاد” دورة مالية تقدّر بـ 60 مليون دولار مصدرها بالأغلب من التبرعات، وهي متهمة ببناء شركات وهمية والتهرب من الضرائب والتبرعات غير المعروفة بالاسم.
أما جمعية “شعلة التوراة” فهي واحدة من أكبر الشركات في العالم التي تهدف إلى الإجابة عن السؤال “ما معنى اليهودية” – “استكشف معنا الأفكار العميقة التي غيّرت وجه العالم” – وتدعو اليهود وغيرهم لإشعال شعلة الفخر اليهودية والوعي، إضافة إلى بناء جسور بين اليهود من خلفيات مختلفة، والمساهمة في تخفيف الكراهية بين اليهود في البلاد ومنع الاستيعاب في الشتات.
وتدير “شعلة التوراة” 26 فرعًا وتقدم برامج في 80 مدينة، 17 دولة و5 قارات، ولديها مئة ألف مشارك سنويًا، بالإضافة إلى مليون زائر شهريًا لموقعها في الانترنت، ويقع المقر الرئيسي للمنظمة العالمية في المبنى الذي يحمل اسم دان وبُني على مساكن حي المغاربة أمام حائط البراق.
قوة الكلمة
ذلك غيض من فيض المؤسسات الصهيونية التي تسعى لتشويه التاريخ وغسل أدمغة مئات الملايين من البشر حول العالم، ويتم التركيز على السياح الذين يزورون القدس بالملايين لتجهيزهم لاقتحام المسجد الأقصى المبارك بمرافقة مرشدين سياحيين يهود، حتى يستمر الكذب والخداع دون توقف.
أما نحن، فإننا نحاكَم بالتحريض والعنصرية لمجرد نقلنا حقيقة التاريخ والحاضر، نُعتقل على كلمات في مواقع التواصل الاجتماعي، وتُغلق مراكز ومواقع إعلامية لمجرد مخالفة رأي اليهود والصهيونية في رواية التاريخ والواقع.
الصهيونية عرفت أن سر التحكم بالشعوب يكمن في الإعلام، وقد نجحت في بناء امبراطوريات إعلامية وقنوات فضائية عالمية استطاعت الوصول لكل البشر، عدا عن كتابة التاريخ من منظورها وتعريف العنصرية والتحريض من منظورها أيضًا.
عشرات الآلاف من ساعات التصوير ومليارات الدولارات رُصدت للإعلام الكاذب من أجل تحقيق هذا الهدف… فاين نحن من كل ذلك، ألم يحن الأوان لمنح الإعلام الدعم الكافي لنقل الحقيقة.
(أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد) (الزمر،36 )