رسالة
بحث "الصخرة صخرتنا"
- التفاصيل
- المجموعة الأم: مشروع الأقصى ورمضان
- نشر بتاريخ الأحد, 13 تشرين1/أكتوبر 2013 10:44
- الزيارات: 4118
صخرة البيت المقدس (المسجد الأقصى المبارك)
هي صخرة بيت المقدس، الواقعة أعلى جبل بيت المقدس) جبل "موريا" بالكنعانية(، وهو الجبل -أو التلة- التي اختارها الله لتكون موضع المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس. قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: "إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله": "وهو بيت المقدس الذي هو بإيلياء، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل؛ ولهذا جمعوا له هنالك كلهم، فَأمّهم في مَحِلّتهم، ودارهم، فدل على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدّم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين" .
موضع الصخرة من المسجد وفضلها
ففي أعلى جبل المسجد الأقصى (والذي يشار إليه تجاوزا باسم "الحرم" ) وفي موضع القلب منه، تبرز صخرة طولها من الشمال إلى الجنوب 18 مترا تقريبا وعرضها 13 مترا وترتفع لما يزيد عن متر. وهذه الصخرة متصلة بالجبل من كل النواحي عدا ناحية واحدة في الجنوب الشرقي حيث توجد مغارة طبيعية في الصخر.
وبفضل ارتفاعها، وكونها الموضع المرجح لمعراج الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء خلال رحلة الإسراء به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك، اختار المسلمون هذه الصخرة موضعا لبناء قبة المسجد الأقصى الرئيسية، فعرفت بقبة الصخرة. ويعتبر مبنى قبة الصخرة، بارتفاعه الذي يبلغ حوالي 45 مترا عن سطح المسجد الأقصى، وبقبته ذات اللون الذهبي، المعلم المميز للمسجد المبارك ولمدينة بيت المقدس كلها، كما أنه أقدم أثر معماري إسلامي باق حتى الآن.
الاستهداف الصهيوني وجذوره الصليبية
يركّز المستوطنون الصهاينة على هذه الصخرة –باعتبارها جزءا مهما يقع في قلب المسجد الأقصى- حيث يزعمون أنها "قدس الأقداس" في "المعبد" أو "الهيكل" الذي يقولون إنهم يسعون لبنائه على حساب المسجد الأقصى، وإليها يتجهون في محاولاتهم لإقامة شعائر غير إسلامية داخل ساحات المسجد خاصة بعد تصاعد اقتحاماتهم للمسجد المبارك منذ تفاخر مجرم الحرب أرئيل شارون بذلك في 28 سبتمبر 2000م، مشعلا انتفاضة الأقصى.
كما قام داعمو دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، في إطار سعيهم لتخريب المسجد الأقصى المبارك، بمحاولات متعددة لنسف قبة الصخرة، منذ احتلال البلدة القديمة بالقدس عام 1967م. ومؤخرا تكررت دعواتهم لنسفها حيث نشرت الخارجية الإسرائيلية أوائل عام 2013م فيلما دعائيا يهيئ لذلك .
بهذا الاستهداف لصخرة بيت المقدس، يقتفي الصهاينة أثر الصليبيين (الكاثوليك) الذين احتلوا القدس عام 1099م/ 492هـ ولمدة 90 عاما تقريبا. فقد قام الصليبيون بتحويل قبة الصخرة إلى كنيسة عرفت باسم "كنيسة أقدس المقدسات"، أو "معبد الرب Temple Domini"، كما اتخذوا الصخرة مذبحا، بينما قاموا بتحويل جزء من المصلى الرئيسي في المسجد الأقصى -الواقع في قبليه- إلى مساكن لـ "فرسان المعبد"، إضافة إلى تحويل التسوية الشرقية للمسجد إلى اسطبلات للخيل باسم "اسطبلات سليمان" .
التمييز اللازم بين المسجد والمدينة
وقد يكون هذا الإصرار على اقتطاع جزء من المسجد الأقصى مرتبطا بالخلط المحتمل بين سور المسجد وسور القدس القديمة، خاصة وأن بعض أبواب السورين تحمل أسماء متشابهة. كما أن كلا من المسجد والمدينة قد يشار إليه بعبارة "بيت المقدس"، رغم أنها بالأساس تشير إلى المسجد، ثم أصبحت تطلق على المدينة كاملة، بل وعلى المنطقة المقدسة عموما. وعليه، فالبعض قد يظن أن سور المسجد الأقصى هو سور المدينة ومن ثم يعتقد أنه قد يضم مقدسات أخرى إسلامية أو غير إسلامية!
الفصل المتوهم بين المسجد وصخرته
ومن أهم المخاطر التي تعزز هذا الاستهداف لقبة الصخرة أيضا الفصل المتوهم بينها وبين باقي أجزاء المسجد الأقصى المبارك لدى بعض الباحثين في التاريخ الحديث والمعاصر . فهم لا يفطنون إلى أن المسجد الأقصى هو كل ما يسميه العوام "الحرم"، وأنه يشمل كل المساحة المستطيلة الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي من البلدة القديمة في القدس والتي يحدها سور خاص بها، بما فيها من مبانٍ مسقوفة وساحات مكشوفة، وأن مبنى قبة الصخرة يمثل أحد أهم هذه المباني، ويقع في قلب المسجد الأقصى الذي تبلغ مساحته 144 ألف متر مربع، فيذكرون خطأ أن القبة منفصلة عن المسجد الأقصى!
ولعل هذا الفصل المتوهم بين القبة وباقي أجزاء المسجد الأقصى المبارك يرجع إلى اهتمام المؤرخين بذكر مآثر الفاتحين الأيوبيين ثم المماليك في تعميرها لإزالة ما أحدثه الصليبيون بها أثناء الاحتلال حين حولوها إلى كنيسة. فنلاحظ، مثلا، أن الكاتب العماد الأصفهاني، في "الفتح القسي في الفتح القدسي"، أفرد للقبة فصلا مستقلا يتحدث عن تطهير صلاح الدين لها بعد الفتح الثاني للمسجد الأقصى .
ورغم تخصيص الحديث عن قبة الصخرة بعد الحديث عن تطهير محراب المسجد الأقصى (إشارة إلى مصلاه القبلي الرئيسي)، لم يغفل الكاتب ذكر كونها جزءا من المسجد المبارك، فقال متحدثا عما قام به السلطان صلاح الدين فيها: "ورتّب لهذه القبة خاصّة وللبيت المقدس عامّة قومة لشمل مصالحها ضامّة، فما ترتب إلا العارفون العاكفون، القائمون بالعبادة الواقفون."
المغالاة في تعظيم الصخرة
لقد كان من مظاهر الاهتمام بالمسجد الأقصى عامة وبقبة صخرته خاصة، قبل هذا الفتح الثاني وبعده، أن ألفت كتب كثيرة في فضائل البيت المقدس تضمن بعضها أحاديث وآثارا موضوعة بعضها إسرائيليات تنسب لصخرته خصائص غير صحيحة . وقد أدى هذا إلى قيام بعض العامة بمخالفات لا أساس لها من الشرع عند الصخرة، وهو ما استدعى، بالمقابل، اهتمام العلماء بالتحذير من التجاوز في تقديس الصخرة.
التحذير من التجاوز في تعظيم الصخرة أو المسجد
من أهم من حذروا من المغالاة في تقديس صخرة بيت المقدس: شيخ الإسلام "ابن تيمية" (ت 728هـ) فقال في فتاويه: "والعبادات المشروعة في المسجد الأقصى هي من جنس العبادات المشروعة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيره من سائر المساجد إلا المسجد الحرام، فإنه يشرع فيه زيادة على سائر المساجد الطواف بالكعبة واستلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود. وأما مسجد النبي والمسجد الأقصى وسائر المساجد فليس فيها ما يطاف به ولا فيها ما يتمسح به ولا ما يقبل."
ومع التحذير من التجاوز في تقديس الصخرة خصوصا، والمسجد الأقصى عموما، اهتم العلماء منذ العهد المملوكي بالتحذير من إطلاق لفظ "الحرم" على هذا المسجد المبارك. من هؤلاء العلماء: عبدالله بن هشام الأنصاري (ت 761هـ) والذي قال في آخر كتابه "تحصيل الأنس لزائر القدس": "ومما سمعته من كبار أهل البلد أنهم يقولون: حرم القدس! فيحرمون ما أحل الله افتراء على الله. ونعوذ بالله من الخذلان."
وممن حذر من استخدام كلمة الحرم أيضا صاحب "مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام". فبعد أن أورد الكاتب، وهو، شهاب الدين المقدسي (ت 765هـ/1363م) عددا من أسماء المسجد الأقصى ومدينته، منها بيت المقدس، والقدس، والأرض المقدسة. قال: "والزيتون أيضا يقال لمسجد بيت المقدس، ولا يقال له الحرم، فاعلم." ورغم أنه أورد الكثير من الأحاديث والآثار في فضل الصخرة، إلا أنه حرص على بيان حالها من صحة وضعف.
مجير الدين وبدايات الفصل المتوهم
جاء مجير الدين الحنبلي في أواخر العهد المملوكي فجدد التأكيد على أن المسجد الأقصى لا يقال له "الحرم" ، ففي كتابه "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل"، عني مجير الدين الحنبلي بذكر تاريخ كل من المسجد الأقصى المبارك في القدس، والمسجد الإبراهيمي في الخليل، باعتبارهما أهم مسجدين في منطقة بيت المقدس وفلسطين. ورغم اشتهار التسمية الخاطئة لهما بالحرم بين بعض العامة في عصره، من باب التشريف لهما، إلا أنه لم يستخدمها، إلا في مواضع للإشارة الى وظيفة "ناظر الحرمين الشريفين"، ويقصد بهما مسجدي القدس والخليل ، وهي وظيفة تعززت في هذا العهد الذي شهد إنهاء الحروب الصليبية في الشام، وتعني الإشراف على المسجدين والعناية بهما من جميع الجوانب.
غير أن مجير الدين، في هذا الكتاب المرجع، استخدم طريقة غير دقيقة للإشارة إلى المسجد الأقصى، حيث إنه كثيرا ما استخدم اسم "المسجد الأقصى" معطوفا بعمومه على "قبة الصخرة" خاصة. فمثلا، يقول: "بناء عبدالملك بن مروان لقبة الصخرة الشريفة وبناء المسجد الأقصى" ، و"ابتدأ ببناء القبة على الصخرة الشريفة وعمارة المسجد الأقصى الشريف" ، و"كان الفراغ من عمارة قبة الصخرة والمسجد الأقصى. " ولعله استخدم هذه الإضافة للمسجد بعمومه على الصخرة خاصة، من باب عطف العام على الخاص، اهتماما بشأن القبة.
كما استخدم مجير الدين لفظ "الجامع"، وهو قريب من لفظ "المسجد"، للإشارة إلى جزء آخر من أجزاء المسجد الأقصى، وهو المصلى الرئيسي في صدره عند القبلة. وورد استخدام هذا اللفظ، وهو "الجامع الأقصى"، في عدة مواضع بكتابه، منها حديثه عن صفة المسجد الأقصى في عصره ، ومنها قوله: "وللمسجد الأقصى ايضا عدة أئمة بداخل الجامع الأقصى وبمغارة الصخرة وعند أبواب المسجد."
كان مجير الدين نفسه قد نبه -في نهاية وصفه لشكل المسجد الأقصى في عصره -إلى أن: "المتعارف عند الناس أن الأقصى هو الجامع المبني في صدر المسجد من جهة القبلة الذي به المنبر والمحراب الكبير، وحقيقة الحال ان اسم الأقصى هو لجميع المسجد وما دار عليه السور." ولكن يبدو أن هذا التنبيه لم يكن كافيا!
لقد أدى استخدام عبارة "الجامع الأقصى" لوصف المصلى الرئيسي في المسجد الأقصى إلى تعزيز بعض المفاهيم الخاطئة لدى عدد من الباحثين منذ أواخر الدولة العثمانية. إذ إن كثيرين –خاصة في يومنا هذا- لا يكادون يميزون بين "المسجد" و"المصلى" أو "الجامع" وغالبا ما يعتبرونها بنفس المعنى.
تسميات مقبولة وغير مقبولة لمعالم الأقصى
والحق أن هناك عدة تسميات قديمة وحديثة استخدمت للإشارة إلى المصلى الرئيسي في المسجد الأقصى المبارك، وكان بعضها مميزا وبعضها غير مميز، فإضافة إلى التسمية "الجامع الأقصى" التي استخدمها مجير الدين أحيانا، هناك أيضا جامع الأقصى ، ومبنى المسجد الأقصى ، والمسجد الأقصى المسقوف ، والجامع القبلي ، والمصلى الجامع ، والمغطّى والمصلى الجنوبي . فالاسمان الأولان، على سبيل المثال، قد يساء فهمهما وقد يعتبرهما البعض إشارة إلى المسجد الأقصى الكامل.
وبالنسبة لقبة المسجد الأقصى المبارك الرئيسية، يكاد الباحثون يجمعون على الإشارة إليها بـ "قبة الصخرة" أو "قبة صخرة بيت المقدس" . ولكن، ظهرت تسمية جديدة وغير صحيحة لها باسم "مسجد قبة الصخرة"، وهي تسمية تعزز المفهوم الخاطئ عن القبة. واستخدم هذه التسمية الخاطئة عدد من كتاب القرن الـ 20 الميلادي والذين يعتبرون مراجع في هذا الباب، مثل عارف العارف ، ومصطفى مراد الدباغ ، فانتشرت، حيث وصفوا القبة خطأ بأنها "مسجد" يوازي "المسجد الأقصى" (في إشارة قاصرة إلى المصلى الجامع)، ويجاوره، داخل ما يسمى بالـحرم الشريف (في إشارة خاطئة إلى المسجد الأقصى المبارك بكامل مساحته)!
عودة إلى الجذور .. اهتمام عمر بالصخرة
والحق أنه منذ رحلة الإسراء والمعراج، مثّل وصف النبي صلى الله عليه وسلم للمسجد الأقصى (والذي كان ثاني مسجد وضع في الأرض بعد 40 عاما من المسجد الحرام بمكة) خير وسيلة تعرّف بها الصحابة على المسجد الأقصى. من هؤلاء الصحابة: عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حيث أثر عنه، عند الفتح عام 16هـ / 637م، وبعد دخوله من سور المسجد قيامه بإزالة الزبل عن الصخرة حتى ظهرت كلها حتى قيل: إنه كنسها بردائه، ثم اختط مصلاه . فهذا دليل على كون الصخرة من المسجد.
بناء قبة الصخرة
أما مبنى القبة المقام فوق الصخرة وحولها، بشكله الثماني، فقد صمم أساسا ليكون مجرد قبة، لدى بنائه في إطار التجديد الأموي للمسجد الأقصى المبارك بعد بناء عمر. وكان هذا التجديد الذي تم على يد الخليفة عبدالملك بن مروان (65ـ86هـ/ 685هـ-705م) قد شمل أيضا إعادة بناء المصلى الرئيسي القائم في قبلة المسجد الأقصى، وذلك تقريبا في نفس موضع المصلى الذي كان عمر -رضي الله عنه- قد بناه بعد الفتح.
وفي هذا، يروى صاحب "مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام" أن عبد الملك حين همّ ببناء صخرة بيت المقدس والمسجد قدم من دمشق إلى بيت المقدس، وبث الكتب في جميع عمله إلى جميع الأمصار: "إن عبد الملك قد أراد أن يبني قبة على الصخرة، صخرة بيت المقدس، تكنّ المسلمين من الحر والبرد، والمسجد. " فوردت الكتب عليه يرى أمير المؤمنين رأيه موفقا رشيدا نسأل الله أن يتم له ما نوى من بناء بيته وصخرته ومسجده.
وصف القبة
قبة الصخرة عبارة عن قبة مذهبة محمولة على مبنى مثمّن بأربعة أبواب، كل باب يقابل إحدى الجهات الأصلية الأربعة. وداخل المبنى صفان من الأعمدة، أولهما يشكل تثمينة، والثاني يشكل دائرة تحيط بالصخرة وتحمل رقبة القبة. وتتكون فيما بين هذه الأعمدة ثلاثة أروقة. عندما زارها المقدسي البشاري قال: "وعلى الجملة لم أر في الإسلام ولا سمعت أن في الشرك مثل هذه القبة. "
ويعتبر وصف المقدسي البشاري (ت 380هـ، أي بعد نحو 300 عام من بنائها)، والذي يوضح أن الصخرة بقبتها جزء من المسجد الأقصى، من أقدم الأوصاف التي وردت للمسجد الأقصى كاملا.
يبلغ طول ضلع مبنى قبة الصخرة المثمن 20.44م وارتفاعه 9.5م. ويبلغ قطر القبة 20.44م، وترتفع بنحو 34 مترا عن الصخرة، وهي عبارة عن قبتين داخلية من الخشب وخارجية من الرصاص بينهما مسافة تبلغ حوالي مترا واحد. ومساحة المبنى حوالي 1750 مترا مربعا . عن سبب البناء، انفرد المقدسي بالقول: "إن عبد الملك لمّا رأى عظم قبّة كنيسة القيامة وهيئتها خشي أن تعظم في قلوب المسلمين، فنصب على الصخرة قبة."
مغارة الصخرة
وفي الصخرة توجد مغارة أشبه بالكهف أو التجويف الطبيعي، وشكلها قريب من المربع، يبلغ طول ضلعها حوالي 4.5 مترا وأقصى ارتفاع لسقفها 3 أمتار. ينزل إليها بدرج في الجهة القبلية من الصخرة، حيث يحرص زوار المسجد الأقصى على الصلاة فيها. وفي سقف المغارة توجد فتحة بعرض نحو 50 سم تفيد في إضاءتها من الداخل. وفيها محرابان على يمين الداخل ويساره.
خلاصة الوصف
من هذا الوصف يمكن القول بأن قبة الصخرة -من بين القباب العديدة التي تزين ساحات المسجد الأقصى المبارك حاليا- تعد أكبرها وأهمها، ومن بين أقدمها. وقد وردت بالفعل إشارة إليها في بعض كتب التراث باسم "قبة المسجد الأقصى" .
وعلى أي حال، نظرا لاتساع مبنى القبة، يمكن الصلاة فيه، ويعد حاليا المصلى الرئيسي للنساء في المسجد الأقصى. ورغم استقلال الصخرة ببناء في وسط صحن المسجد الأقصى يبعد نسبيا عن المصلى الرئيسي القائم في قبلة المسجد، فلا يسوغ اعتبارها مسجدا منفصلا عن المسجد الأقصى.
مفهوم المسجد في الأصل
إن الصورة النمطية للمسجد في زماننا هي مبنى مسقوف ترتفع فوقه مئذنة وقبة، ولكن الحقيقة هي أن المسجد بالأساس هو الأرض التي تخصص للعبادة والصلاة ولا يشترط أن تكون لها قبة أو مئذنة أو منبر ، بل الأصل أن تكون مسورة. والمساجد الأثرية غالبا ما تشتمل على صحن كبير ورواق قبلة، وقد تكون قبتها مبنية بشكل مستقل في وسطها، كما نجد في المسجد الأقصى ، وأيضا في مسجدي عمرو بن العاص وأحمد بن طولون بالقاهرة.
استغلال الأخطاء الشائعة
والحق أن الخطأ في إدراك مفهوم المسجد الأقصى يخدم مخططات الاحتلال الصهيوني في القدس حاليا. فهذه السلطات، بينما تدعي أن المسجد الأقصى كاملا هو "الهيكل/المعبد" ، تركز مرحليا على تقسيمه بين المسلمين وغيرهم. فهي تعتبر أن المساحة الكاملة للمسجد يمكن فصلها إلى 3 أقسام: المصلى الرئيسي، وتقول إنه كل المسجد الأقصى، والقبة، وتعتبرها مسجدا آخر، والصحن، وتعتبره ساحات عامة يتاح للجميع، مسلمين وغير مسلمين، الوصول إليها والتعبد فيها!
مخطط التقسيم بدعم أمريكي
وبالفعل، منذ 2003م، وهو العام الذي استؤنفت فيه اقتحامات المستوطنين الصهاينة للمسجد الأقصى المبارك بعد خفوت ردود الأفعال التي أعقبت انتفاضة الأقصى وأدت إلى منع غير المسلمين من اقتحام المسجد، تتعدد ولا تزال محاولات هؤلاء المستوطنين، بدعم من سلطات الاحتلال، لاقتحام صحن المسجد الأقصى (ساحاته الداخلية)، بل لإقامة شعائر غير إسلامية فيها. بالإضافة إلى ذلك، تجري حاليا محاولات مماثلة لاقتحام مباني الصلاة الرئيسية في المسجد الأقصى: المصلى القبلي الجنوبي، وقبة الصخرة.
وتلقى هذه الانتهاكات دعما، بل ودفعة من الإدارات الأمريكية. حيث انتقدت الخارجية الأمريكية في تقريرها حول الحريات الدينية في العالم لعام 2011 دولة الاحتلال "إسرائيل" لعدم السماح لغير المسلمين "بالصلاة" في ساحات المسجد الأقصى، الذي أطلقت عليه اسم "جبل المعبد/ الهيكل" ، وطالبت بالسماح لغير المسلمين بـ "الصلاة" في الساحات بل وبـ "دخول" مباني المسجد المعدة للصلاة!
وعقب ذلك، قدمت مذكرة في البرلمان "الإسرائيلي" عام 2012 تطالب بتخصيص أوقات مستقلة للمسلمين ولليهود للصلاة في البيت المقدس . وهذا العام 2014، بدأت سلطات الاحتلال بمحاولة فرض منع لبعض المصلين، وخاصة طالبات مصاطب العلم، من دخول ساحات المسجد الأقصى المبارك خلال ساعات الصباح التي يقتحم فيها المستوطنون هذه الساحات .
محاولات دولية لإضفاء الشرعية على الاحتلال
فضلا عن ذلك، حرص آخر رئيسين لكنيسة الفاتيكان (الكاثوليكية) في روما، وهما البابا بنديكتوس السادس عشر، وفرانسيس الأول، على زيارة قبة الصخرة خلال رحلة حجهم إلى كنيسة القيامة، وغيرها من المعالم المسيحية في القدس، عامي 2009م ، و2014م على التوالي . وللأسف، سمح لهما قادة المسلمين بذلك، رغم أنهما دعما الاحتلال الصهيوني خلال نفس الزيارة باقتحام جزء من الجدار الغربي للمسجد الأقصى، وهو حائط البراق الذي حوّله الصهاينة إلى ساحة عبادة ومزار ديني باسم "حائط المبكى" أو "الحائط الغربي"، وبأداء طقوس عنده. وكان سلفهما، يوحنا بولس الثاني، قد قام أيضا عام 2000م بزيارة الحائط ، فيما اعتبر دعما لمزاعم سلطات الاحتلال حول المسجد الأقصى.
التوصيات والختام
إن الخطوة الأولى لمواجهة هذه الانتهاكات المستمرة والمتصاعدة بحق المسجد الأقصى هي تصحيح الأخطاء الشائعة عنه، فينبغي أن نذكر دوما أن قبة الصخرة جزء من المسجد الأقصى، وأن نتجنب كل ما يوهم خلاف ذلك. وأيضا بالنسبة للمصلى الرئيسي في المسجد الأقصى، نذكر أنه جزء من المسجد الأقصى، ولا نطلق عليه اسما يوهم خلاف ذلك. كما يجب التمييز بوضوح بين المسجد الأقصى بسوره الخاص، ومدينة القدس القديمة بسورها المختلف، فالمدينة للجميع ولكن المسجد للمسلمين وحدهم. ومن المهم كذلك تجنب استخدام كلمة "حرم" إشارة إلى المسجد الأقصى المبارك، بل هو البيت المقدس، ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، ويشمل كل ما داخل السور، وأهمه: الصحن (الساحات)، والمصلى الرئيسي (القبلي)، والقبة الرئيسية (قبة الصخرة). فصخرة بيت المقدس صخرة المسجد الأقصى وقبة الصخرة قبته.
رابط الملف كاملا مصورا وجاهزا للطباعة
https://app.box.com/s/v69j88dk2fzudfq43acvqgdz1jfqes7l